حينئذٍ في باب التزاحم أيضاً.
نعم قد فصّل المحقّق الخراساني رحمهالله هنا وقال : هذا إذا قلنا بالسببيّة مطلقاً ولو فيما علم كذبه ، وأمّا إذا قلنا بسببية الأمارات في خصوص ما لم يعلم كذبه من الخبرين المتعارضين بأن لا يكون ما علم كذبه مسبّباً لحدوث مصلحة أو مفسدة في المتعلّق ، فحالهما حينئذٍ من حيث مقتضى القاعدة الأوّليّة كحالهما بناءً على الطريقيّة عيناً ( من التساقط كما سيأتي ) وهذا هو المتيقّن من أدلّة اعتبار الأمارة من سيرة العقلاء والآيات والأخبار ، وما ذكره قريب من الصواب.
٣ ـ السببيّة الظاهريّة ، والمراد منها أنّ أدلّة حجّية الأمارة تجعل حكماً ظاهرياً مماثلاً لمؤدّيها ، وهذا ما ذهب إليه جماعة من الأعاظم ، وهو المقصود ممّا حكاه صاحب المعالم عن العلاّمة رحمهالله من أنّ ظنّية الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم ، فمراده من الحكم القطعي إنّما هو الحكم القطعي الظاهري بلا ريب.
والنتيجة بناءً على هذا المعنى هو التساقط بناءً على كون الحكم الظاهري المماثل مجرّد طريق إلى الواقع فحسب ، من دون حصول أي مصلحة فيه ( كما هو الظاهر ) ، وأمّا إذا قلنا إنّها توجب في مؤدّيها حصول مصلحة أقوى من مصلحة الواقع أو المساوي لها فهو يشبه حينئذٍ مبنى السببيّة المعتزلية ، ونتيجته التزاحم بين الأمارة التي أصابت إلى الواقع والأمارة التي أخطأت ولكنّها أوجبت مصلحة في مؤدّيها ، فيكون مقتضى الأصل حينئذٍ التخيير أيضاً.
٤ ـ السببيّة السلوكيّة أو المصلحة السلوكيّة ، والمراد منها أنّ أدلّة حجّية الأمارة لا توجد مصلحة في مؤدّيها في صورة الخطأ بل إنّها توجب حصول مصلحة في نفس السلوك على طبقها ما يعادل مصلحة الواقع ، ففي مثال الأمارة التي قامت على وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة لا توجب أدلّة حجّيتها حصول مصلحة في نفس صلاة الجمعة بل توجد مصلحة في العمل بقول الثقة مثلاً وسلوك هذا الطريق.
فعلى هذا المبنى أيضاً يكون مقتضى القاعدة التخيير والدخول في باب التزاحم ( على تفصيل مرّ ذكره ) ولكن لا دليل على حصول هذه المصلحة في مقام الإثبات ، سلّمنا ـ لكن يرد عليه ما مرّ من إشكال المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّ المتيقّن من أدلّة اعتبار الأمارة هو سببيّة الأمارات في خصوص ما لم يعلم كذبه من الخبرين.