هذا كلّه بناءً على القول بالسببية.
وأمّا على مبنى الطريقيّة فذهب أكثرهم إلى التساقط ، واستدلّوا لذلك بوجود العلم الإجمالي بكذب أحد الطريقين ، حيث إنّه يوجب عدم إعتماد العرف بكليهما فيسقط كلّ واحد منهما عن الطريقيّة والحجّية.
وإن شئت قلت : إنّ أغلب الطرق الشرعيّة مأخوذة من الطرق العقلائيّة وامضاء لها ، ولا إشكال في أنّ العرف والعقلاء في باب الشهادات والدعاوي ومقام القضاء وغيرها يحكمون ببطلان كلا الطريقين إذا شهد كلّ منهما على خلاف الآخر مثلاً.
وللمحقّق الأصفهاني رحمهالله كلام في هذا المجال لا تخلو الإشارة إليه من فائدة ، وحاصله : أنّ الاحتمالات المتصوّرة في ما نحن فيه أربعة :
١ ـ أن يكون أحدهما لا بعينه حجّة ، فإنّه إذا علمنا بكذب أحدهما لا بعينه صارت الحجّة أيضاً أحدهما لا بعينه ، ولا إشكال في بطلان هذا الاحتمال لأنّ عنوان أحدهما لا بعينه انتزاع ذهني لا وجود له في الخارج ، فلا تتعلّق به وصف الحجّية ، فإنّ الصفات سواء كانت حقيقية أو اعتبارية لا تعرض إلاّللوجود الخارجي.
٢ ـ أن تكون الحجّة ما يكون مطابقاً للواقع ، وهذا أيضاً لا يمكن الالتزام به لعدم العلم بمطابقة واحد منهما للواقع وإن إحتمل ذلك ، فإنّ المفروض ظنّية كلّ واحد من الخبرين.
٣ ـ أن يكون كلّ منهما حجّة ( وكأنّ مراده حجّية كليهما في مدلولهما الإلتزامي وهو نفي الثالث ) ولكنّه أيضاً لا يمكن الالتزام به لأنّه وإن كان المقتضي للحجّية في كليهما موجوداً والمانع مفقوداً ولكن سنخ المقتضي لا يقبل التعدّد ، لأنّ تنجّز الواقع الواحد على تقدير الإصابة لا يعقل فعليته في كليهما ، فالواقع غير قابل للفعلية إلاّفي أحدهما.
٤ ـ عدم حجّية كليهما ، وهذا هو المتعيّن (١).
أقول : وهنا احتمال خامس وهو التخيير ، ولكنّه أيضاً منتفٍ لعدم الدليل عليه من العقل ولا النقل ( إلاّ في مورد خاصّ ).
فتلخّص من جميع ذلك أنّ الأصل في المتعارضين التساقط.
__________________
(١) راجع نهاية الدراية : ج ٥ ـ ٦ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧ ، طبعة مؤسسة آل البيت.