ثمّ إنّ ما ذكرنا من أنّ قضية التعارض بين المتعارضين هو التساقط إنّما هو بملاحظة الأصل الأوّلي والقاعدة الأوّليّة فيعمل به ما لم ينتقض بدليل خاصّ تعبّدي كما انتقض في الخبرين المتعارضين ، فإنّ الإجماع والأخبار العلاجية قائمان على عدم سقوطهما بل لابدّ من العمل بأحدهما إمّا تعييناً أو تخييراً ، نعم إنّها باقية على حالها في غير الخبرين سواء في الشبهة الحكميّة كما في الإجماعين المحصّلين المتعارضين أو في الشبهة الموضوعيّة كما في البيّنتين المتعارضتين.
بقي هنا شيء :
وهو أنّ الصحيح بين المبنيين ( مبنى السببيّة ومبنى الطريقيّة ) إنّما هو مبنى الطريقيّة ، وذلك لأنّ أدلّة حجّية الأمارات في الواقع امضاءً لبناء العقلاء ، ولا إشكال في أنّهم يعتمدون على مثل قول الطبيب وأهل الخبرة بلحاظ كونه طريقاً إلى الواقع لا لحصول مصلحة في قول الطبيب ورأيه ولو كان مخالفاً مع الواقع.
إن قلت : إنّ إجازه الشارع العمل بمؤدّى الأمارة مطلقاً حتّى فيما إذا كان موجباً لتفويت الواقع تكشف عن توليد مصلحة في السلوك على طبقها ، أي المصلحة السلوكيّة ( لا المصلحة في نفس المؤدّى حتّى يرد عليه لزوم التصويب المجمع على بطلانه ).
قلنا : إنّ إذنه بالعمل بالأمارة مطلقاً يكون من باب إنقطاع يد المكلّف عن الوصول إلى العلم بالواقع غالباً ، وهذا ما يشهد عليه الوجدان في باب ملكيّة الأشخاص بالنسبة إلى أموالهم وفي باب الدعاوي في القضاء ، فإنّه لا يحصل للإنسان العلم بملكيّة زيد مثلاً بالنسبة إلى أمواله أو بحقّانية أحد طرفي الدعوى ، كما أنّه قد يوجب اعتبار حصول العلم للعسر والحرج كما في باب الطهارة والنجاسة والأملاك وغيرهما فإنّ حصول العلم فيها وإن كان ممكناً للإنسان أحياناً ولكنّه يستلزم منه العسر والحرج غالباً كما لا يخفى.
لا أقول أنّ حجّية الأمارات تكون من باب إنسداد العلم ( الإنسداد الكبير ) بل أقول : أنّ الحكمة في حجّية غالب الأمارات وجود انسداد صغير في مواردها.