ثمّ إنّه بناءً على تساقط الخبرين المتعارضين هل تبقى دلالتهما الالتزاميّة على نفي الثالث على حالها ، أو أنّها أيضاً تسقط؟ فإذا قامت بيّنة ( في الشبهة الموضوعيّة ) على أنّ هذه الدار لزيد مثلاً وبيّنة اخرى على أنّها لعمرو فهل يثبت بهما عدم كونها لبكر ، أو لا؟ وهكذا في الشبهات الحكميّة ، فإذا قام الخبر على كون نصاب المعدن عشرين ديناراً ودلّ خبر آخر على أنّه دينار واحد فهل يبقى مدلولهما الالتزامي ( وهو أصل وجود نصاب لوجوب الخمس في المعدن الدائر أمره بين العشرين والدينار الواحد ) على حاله فتكون النتيجة عدم وجوب التخميس في الأقلّ من دينار ، أو أنّه أيضاً يسقط وتكون النتيجة وجوب الخمس مطلقاً حتّى في الأقلّ من دينار؟ فيه قولان :
أحدهما : ما ذهب إليه المشهور منهم صاحب الكفاية والمحقّق النائيني والمحقّق الأصفهاني والمحقّق الحائري رحمهالله في الدرر وجماعة اخرى من المتأخّرين ، وهو عدم سقوط الدلالة بالنسبة إلى نفي الثالث.
ثانيهما : ما ذهب إليه بعض الأعلام كما في مصباح الاصول من سقوطها حتّى من هذه الجهة.
ولابدّ قبل الورود في باب أدلّة الطرفين أن نشير إلى أنّ هذا البحث إنّما يجري فيما إذا احتملنا كذب كلا الخبرين ، أي كان كلّ من الدليلين ظنّياً ، وأمّا إذا علمنا صدق أحدهما من دليل خارج كالإجماع ( كما أنّه كذلك في الخبرين الدالّين على وجوب صلاة الجمعة ووجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة حيث إنّ الإجماع قام على صدق أحدهما وعدم تكليف ثالث في البين كوجوب كليهما أو عدم وجوب كليهما ) فلا موضع لهذا النزاع ، لأننا نقطع حينئذٍ بنفي الثالث.
وعلى أي حال فقد استدلّ للقول الأوّل بوجهين :
الوجه الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله فإنّه قال : « نعم يكون نفي الثالث بأحدهما لبقائه على الحجّية وصلاحيته على ما هو عليه ( من عدم التعيّن ) لذلك لا بهما » وحاصله ما مرّ منه من أنّ ما يسقط عن الحجّية إنّما هو أحد الخبرين لا بعينه ، فيكون أحدهما الآخر لا بعينه باقٍ على حجّيته ، فينفي به الثالث ، فلا يجوز الخروج عن مؤدّى المجموع.
ولكن يرد عليه : إشكال بحسب مقام الثبوت ، وإشكال بحسب مقام الإثبات ، أمّا الأوّل :