أحدهما : هل التخصيص يتعلّق بالإرادة الجدّية ، أو الإرادة الاستعماليّة؟ وتوضيحه : أنّ للفظ إرادتين : إرادة استعماليّة وهى ما يستعمل فيه اللفظ ، وإرادة جدّية وهى ما يكون المقصود من الاستعمال ، والسؤال هنا هو أنّ متعلّق التخصيص هل هو الإرادة الجدّية ، أو الإرادة الاستعماليّة؟
المعروف والمشهور أنّه يتعلّق بالإرادة الجدّية ، ولذلك لا يلزم منه مجاز ، لأنّ باب المجاز والحقيقة باب اللفظ وما استعمل فيه اللفظ لا المعنى والمراد ، وقد مرّ البحث عنه تفصيلاً في مباحث العام والخاصّ تحت عنوان « التخصيص بالمنفصل إنّما هو في الإرادة الجدّية لا الإرادة الاستعماليّة » وهو المختار هناك.
ثانيهما : هل المعيار في تعارض الدليلين هو الإرادة الاستعماليّة أو الإرادة الجدّية؟
لا إشكال في أنّ الميزان في التعارض إنّما هو الإرادة الاستعماليّة ، لأنّ الدليلين يتعارضان ويتضادّان في ظهورهما الاستعمالي واللفظي كما هو واضح.
ثمّ بعد ملاحظة هاتين النكتتين يظهر لنا أنّه لا وجه لانقلاب النسبة ، لأنّ تخصيص العام بالخاصّ الأوّل إنّما هو في الإرادة الجدّية ولا ربط له بالإرادة الاستعماليّة ، وحينئذٍ يبقى الظهور الاستعمالي للعام على حاله الذي كان هو المعيار في التعارض ، ولابدّ بعد التخصيص بالخاصّ الأوّل من ملاحظة النسبة بين الخاصّ الثاني وهذا الظهور الاستعمالي للعام الباقي على قوّته.
والذي يؤيّد ذلك هو سيرة الفقهاء العمليّة في الفقه ، فإنّهم لا يلاحظون تاريخ الخصوصيّات ولا يقدّمون التخصيص بأحد الخاصّين على التخصيص بالخاصّ الآخر بل يخصّصون العام بكليهما في عرض واحد.
نعم ، قد يستثنى منه ما إذا كانت المخصّصات بمقدار من الكثرة يوجب الاستهجان عرفاً ، فيكون النسبة بين الخصوصات والعام من قبيل المتباينين ، فربّما يكون طريق الجمع فيه إسقاط العام عن ظهوره في الوجوب أو الحرمة وحمله على الاستحباب أو الكراهة.
ثمّ إنّ جماعة من الأعلام أشاروا إلى أمرين آخرين :
أحدهما : هو البحث عن مسألة الضمان في عارية الذهب والفضّة التي هى من موارد تعارض أكثر من دليلين ومن مصاديقه وتطبيقاته ، ولكننا نتركه إلى محلّه في الفقه لأنّه بحث فقهي خاصّ لا يليق إلاّبالفقه كما لا يخفى على الخبير.