أصله وبين صدوره تقيّة ، وهو على كلا التقديرين ممّا لا يعقل التعبّد به ، وحينئذٍ كيف يقدّم الأرجح صدوراً إذا كان موافقاً للعامّة على غيره وإن كان مخالفاً للعامّة كما قال به الشيخ الأعظم رحمهالله؟ ثمّ قال : فاحتمال تقديم المرجّحات السندية على مخالفة العامّة مع نصّ الإمام عليهالسلام على طرح موافقهم من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة فضلاً عمّن هو تالي العصمة علماً وعملاً ، ثمّ قال : وليت شعري أنّ هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه مع أنّه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شقّ القمر.
ويمكن الجواب عنه أوّلاً : بأنّ الخبر الموافق للعامّة ليس دائراً بين احتمالين بل الاحتمالات فيه ثلاثة : عدم صدوره من أصله ، وصدوره تقيّة ، وصدوره لبيان حكم الله الواقعي ، وإنّما يدور أمره بين الاحتمالين الأوّلين إذا كان المعارض المخالف للعامّة قطعيّاً من جهاته الثلاث ، أي من جهة السند والدلالة والجهة جميعاً ، وأمّا إذا كان ظنّياً ولو من بعض الجهات كما هو المفروض ( حيث إنّ البحث في المرجّحات الظنّية لا في تمييز الحجّة عن اللاّحجّة ) فلا علم لنا بصدق المخالف بل نحتمل كذبه أيضاً ، كما لا علم لنا ببطلان الموافق وعدم حجّيته على أي حال.
وكأنّ المحقّق الرشتي رحمهالله غفل عن هذه النكتة ، أي أنّ البحث هو في المرجّحات الظنّية.
وثانياً : أنّ ما ادّعاه صادق في العكس أيضاً ، لأنّ الإمام عليهالسلام قال في المرجّحات الصدورية : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » ولازمه حصول العلم بعدم صدور غير المشهور.
ولقد أجاد المحقّق الخراساني رحمهالله حيث قال في ذيل كلامه هنا : أنّ الغفلة والنسيان كالطبيعة الثانويّة للإنسان.
فقد ظهر أنّ مقتضى القواعد الأوّلية عدم اعتبار الترتيب بين المرجّحات فلابدّ من الرجوع إلى أقوى الدليلين وأظهرهما ، وهو مختلف بحسب اختلاف المقامات ، ولو لم يكن أحدهما أقوى أو أظهر سقطت المرجّحات فتصل النوبة إلى التخيير.
هذا كلّه بحسب القواعد.
وأمّا بحسب الأدلّة الخاصّة النقلية فالمهمّ فيها هو مقبولة عمر بن حنظلة المذكور فيها ثلاث مرجّحات : الشهرة ، موافقة الكتاب والسنّة ، ومخالفة العامّة ( وأمّا مخالفة ميل الحكّام فقد مرّ أنّه يرجع إلى مخالفة العامّة ، كما أنّ الترجيح بالأعدليّة والأفقهيّة والأوثقيّة الواردة في