كان المقصود عدم ورود الدليل الخاصّ فقط فيرد عليه ما اورد على الوجه الثاني.
لكن المهمّ في الإشكال أنّ الإجمال في مثل المقام ليس بحجّة لقوّة استناد المجمعين إلى بعض الوجوه العقليّة أو النقليّة المستدلّ بها على البراءة فلا كاشفية له عن قول المعصوم عليهالسلام.
وهيهنا دليل خامس ذكره الشيخ الأعظم رحمهالله في الرسائل وهو التمسّك باستصحاب حال الصغر ( أو استصحاب ما قبل الشرع ) وقد أورد عليه الشيخ رحمهالله وغيره بإيرادات عديدة :
منها : أنّ المستصحب أحد امور ثلاثة : إمّا براءة الذمّة ، أو عدم المنع من الفعل ، أو عدم استحقاق العقاب عليه ، والمطلوب في الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتّب العقاب على الفعل أو القطع بالجواز المستلزم للقطع بعدم العقاب ، ومن المعلوم أنّ هذا المطلوب لا يترتّب على المستصحبات المذكورة ، أمّا عدم ترتّب العقاب على الفعل فلأنّه ليس من اللوازم المجعولة الشرعيّة لتلك المستصحبات حتّى يحكم به الشرع في الظاهر ( بأخبار لا تنقض ) بل هو من اللوازم العقليّة يحكم به العقل ، وأمّا الجواز المستلزم لعدم العقاب فهو وإن كان أمراً قابلاً للجعل ( لأنّه أحد الأحكام الخمسة ) ويستلزم انتفاء العقاب واقعاً إلاّ أنّه ليس لازماً شرعياً للمستصحبات المذكرة بل هو من المقارنات لها إذ إنّ عدم المنع مثلاً لا ينفكّ عن كون الفعل جائزاً بعد العلم بعدم خلوّ فعل المكلّف عن أحد الأحكام الخمسة نظير إثبات وجود أحد الضدّين بنفي الآخر ، فيكون الأصل حينئذٍ مثبتاً.
ولكن يجاب عن هذا بأنّ عدم المنع كافٍ للفقيه في الفقه ولا حاجة إلى عنوان الإباحة كما هو ظاهر.
ومنها : عدم بقاء الموضوع للاستصحاب ، لأنّ موضوع البراءة في السابق إنّما هو الصغير غير القابل للتكليف ، وقد تبدّل بالكبير ( وكذلك الكلام بالنسبة إلى ما قبل الشرع وبعده ).
أقول : هذا إشكال متين ، فإنّ العرف يرى الصغر ( وكذلك ما قبل الشرع ) من قيود الموضوع ، فليس من الحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الحكم.
ومنها : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من « إنّ العدم حال الصغر يكون من جهة عدم قابلية الصغير للتكليف فكونه مرخى العنان ـ من فعل أو ترك ـ ليس من قبل ترخيص الشارع ورفع الإلزام منه بل اللاحرجيّة ( العقليّة ) للصغير من جهة أنّه كالبهائم والمجانين ، ما وضع عليه قلم التكليف قبل البلوغ لعدم قابلية المحل لا أنّه رفع عنهم الإلزام امتناناً عليهم ، وهذا العدم