التقيّة فيما وافقهم وانسداده فيما خالفهم.
والبحث هنا في تحديد ما يستظهر من روايات الباب فنقول :
أمّا الوجه الأوّل : فلا إشكال في أنّه خلاف ظاهر التعليل الوارد فيها كما لا يخفى.
وأمّا الوجه الثاني : فهو أيضاً بعيد جدّاً لكونه مخالفاً لظاهر التعليل الوارد فيها أيضاً ، فإنّ الرشد بمعنى الوصول إلى الحقّ وسلوك طريق الهداية.
مضافاً إلى أنّه خلاف ما ورد في روايات كثيرة من الأمر بالحضور في تشييع جنائزهم عيادة مرضاهم والحضور في جماعاتهم وغير ذلك.
وأمّا الوجه الثالث : فيمكن أن يستشهد له أوّلاً : بما رواه أبو إسحاق الأرجاني رفعه قال : قال أبو عبدالله عليهالسلام : « أتدري لِمَ امرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ، فقلت : لا أدري ، فقال : إنّ عليّاً عليهالسلام لم يكن يدين الله بدين إلاّخالف عليه الامّة إلى غيره إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليهالسلام عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم يلتبسوا على الناس » (١).
فإنّ ظاهرها أنّ هناك تعمّد في مخالفة العامّة لآراء أهل البيت عليهمالسلام ولازمه أنّ الغلبة في مخالفتهم للواقع فلابدّ في موارد الشكّ من الرجوع إلى ما هو موافق للواقع غالباً وهو المخالف لآراء العامّة.
ولكن يناقش فيها بضعف السند أوّلاً : لكونها مرفوعة ، وثانياً : بأنّها مخالفة لما ثبت في كتبهم التاريخيّة والفقهيّة من استنادهم في فتاويهم إلى قول علي عليهالسلام ، وكلام عمر في حقّ أمير المؤمنين عليهالسلام في مواقف كثيرة « أنّه لولا علي لهلك عمر » معروف.
مضافاً إلى ما نشاهد بأعيننا من موافقة كثير من أحكام مذهب أهل البيت لأحكامهم في أبواب مختلفة من الفقه نظير باب الحجّ فإنّ كثيراً من مناسكه مشتركة بين الفريقين.
ويستشهد لهذا الوجه ثانياً : بما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه ، فخالفوهم فما هم من الحنفية على شيء » (٢).
ولكنّها أيضاً قابلة للمناقشة من ناحية السند ، لأنّ المقصود من ابن حمزة فيه إنّما هو ابن
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٤.
(٢) المصدر السابق : ح ٣٢.