وعند العامّة بمعنى العمل بالقياس الظنّي أو الاستحسان الظنّي ، فقد وقع الخلط بين المعنيين لأجل هذا الاشتراك.
والشاهد على لفظية النزاع أنّ بعض الأخباريين أيضاً بحثوا عن كثير من مباحث الاصول في ابتداء كتبهم الفقهيّة كالمحدّث البحراني ، حيث خصّص قسماً كبيراً من المجلّد الأوّل من حدائقه بالبحث عن المسائل الاصوليّة أي قواعد الاجتهاد بالمعنى العام وإن عبّر عنه بمقدّمات الحدائق لا المسائل الاصوليّة ، كما أنّ تتبّع كلمة الاجتهاد في تاريخ الفقه والحديث يدلّنا بوضوح أنّ هذه الكلمة كانت تستخدم للتعبير عن الاجتهاد بالمعنى الخاصّ منذ عصر الأئمّة عليهمالسلام إلى عدّة قرون وكان هو المراد منها في الروايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهمالسلام التي تذمّ الاجتهاد وكذلك في كلمات الأصحاب وتصنيفاتهم التي ألّفوها في هذا المجال ، ويكفيك مثل هذا التعبير في بعض كلماتهم : « أنّ الاجتهاد باطل ، وأنّ الإماميّة لا يجوز عندهم العمل بالظنّ ولا الرأي ولا الاجتهاد » ، فإنّه دليل ظاهر على أنّ مرادهم من الاجتهاد هو ما يرادف الرأي والظنّ.
وبهذا نعرف أيضاً أنّ لكلمة الأخباري أيضاً معنيين : أحدهما ما يرادف مصطلح المحدّث الذي يطلق في الكلمات على مثل الصدوق والكليني رحمهما الله ، والثاني ما يقابل مصطلح الاصولي ، الذي ظهر أمره وانتشر انتشاراً كثيراً في القرن الحادي عشر على يد أمين الاسترابادي ، والمتبادر منه هو الأخير كما أنّ المتبادر من المحدّث هو الأوّل.
هذا كلّه في المورد الأوّل من موارد الاختلاف بين الأخباري والاصولي.
أمّا المورد الثاني : وهو حجّية العقل فقد وقع النزاع فيه أيضاً بين الطائفتين ، وقد أنكر الأخباريون اعتبار العقل إنكاراً تامّاً ، وحيث أورد عليهم بأنّه لو عزلتم العقل عن حكمه مطلقاً فمن أين تثبت اصول الدين؟ وهل يمكن إثباته بالدليل النقلي مع استلزامه الدور الواضح؟ فلذا أخذ جماعة منهم في الاستثناء عن هذا العموم فقال بعضهم باعتبار العقل البديهي ، وبعضهم باعتبار ما يقرب إلى الخمس من العقل النظري كالرياضيات إلى غير ذلك ممّا ذكروه في هذا المقام ممّا يدلّ على وقوعهم في هرج وتناقض من هذا الأمر وحيث قد مرّ الكلام في جميع ذلك مشروحاً في مباحث القطع فلا حاجة إلى إعادته فراجع وتأمّل.
وأمّا المورد الثالث : وهو تقليد العوام للعلماء ـ فقد ذهب الأخباريون إلى عدم جوازه ،