كان الله تعالى يجعل الحكم بعد اجتهاد المجتهد ، والمجتهد يطلب في استنباطه حكم الله الواقعي فما هو مطلوبه؟
وبعبارة اخرى : يستلزم منه الدور المحال لأنّ اجتهاد المجتهد متفرّع على وجود حكم قبله ، والمفروض أنّ الحكم أيضاً متوقّف على اجتهاده ، وقد يسمّى هذا بتصويب الأشعري ، وليس بذلك ، كما سيأتي بيانه.
وأمّا القسم الثاني : ( وهو ما يكون مجمعاً على بطلانه ) فهو أنّ الله تعالى ينشىء أحكاماً عديدة بعدد آراء المجتهدين قبل اجتهادهم ، فيكون كلّ مجتهد طالباً في استنباطه لحكمه الذي جعله الله تعالى في حقّه ، وهذا وإن لم يكن محالاً عقلاً ولكنّه مجمع على بطلانه عند الإمامية ، حيث إنّهم يعتقدون أنّ لكلّ واقعة حكماً واقعياً واحداً للعالم والجاهل ، أصابه المجتهد أو لم يصيبه ، وقد يسمّى هذا بتصويب المعتزلي وليس بذلك ، كما سيأتي بيانه أيضاً.
وأمّا القسم الثالث : فهو أن يكون حكم الله تعالى في مقام الإنشاء واحداً ولكنّه متعدّد في مقام الفعليّة لأنّ طرقه الشرعيّة متعدّدة ويكون كلّ طريق سبباً لإيجاد المصلحة في مؤدّاه فيكون منشأ التعدّد في الأحكام الفعلية هو القول بسببيّة الأمارات ، وقد مرّ أنّ الصحيح المختار بطلان السببيّة ، وأنّ المستفاد من أدلّة حجّية الأمارات إنّما هو الطريقيّة فحسب ، فالأقوى بطلان هذا القسم وإن لم يكن باطلاً عقلاً ولا مجمعاً على بطلانه.
وأمّا القسم الرابع : فهو التصويب في الأحكام الظاهريّة الذي يوافق مبنى القائلين بأنّ أدلّة حجّية الأمارات وإن لم تكن سبباً لإيجاد المصلحة ولكنّها توجب جعل حكم ظاهري مماثل كما هو المختار ، وهو الظاهر من كلمات المشهور وفتاواهم ، وقد يكون في سلوك هذه الطرق مصالح أهمّ من المصالح الواقعيّة التي تفوت من المكلّف وهذا ما يعبّر عنه بالمصلحة السلوكيّة.
هذا هو المختار في معنى الطريقيّة ، وهناك قول آخر بأنّ المراد من الطريقيّة هو جعل المنجّزية والمعذّرية مع القول بالمصلحة السلوكيّة ، وعلى كلّ حال يكون القول بالطريقيّة خارجاً عن التصويب بأي معنى فرض كما سيأتي.
الأمر الثالث : في أنّ هذا التقسيم الرباعي ناشٍ من وقوع خلط في معنيي الاجتهاد ، وهو الخلط بين الاجتهاد بالمعنى العام والاجتهاد بالمعنى الخاصّ ، وإلاّ يكون التقسيم ثلاثياً.