والظواهر عند العرف ، أو من هو أعلم في علم الرجال ، أو من هو أدقّ نظراً من غيره ، أو جميع هذه؟ ) أولاً ، ومعرفة مصاديقه ثانياً ، مشكل جدّاً لتلامذه الأعلام المجتهدين فضلاً عن العوام المقلّدين ، ولذلك يجاب غالباً عند السؤال عن الأعلم » بـ « أنّي لا أعرف مصداق الأعلم ولكن فلان يجوز تقليده » أو « كلّ واحد من فلان وفلان يجوز تقليده ».
والجواب عنه : أوّلاً المنع عن الكبرى فإنّه لا عسر ولا حرج في تعيين مفهوم الأعلم لأنّ المراد منه « من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة ، وأكثر إطّلاعاً لنظائرها وأشباهها ، وأجود فهماً للأخبار الواردة فيها ، والحاصل أن يكون أجود إستنباطاً » وقد ذكر هذا التعريف المحقّق اليزدي في العروة الوثقى في المسألة ١٧ ، ولم يعلّق عليه أحد من المحشّين فيما رأينا.
توضيح ذلك : أنّ الأعلم في علم الطبّ مثلاً من هو أحسن معالجة للأمراض وأدقّها في دواء الداء ، والأعلم في البناء من هو يقدر على بناء أحسن الأبنية من دون فرق بين أن يكون تلميذاً أو استاذاً ، فربّ تلميذ يكون أعلم من استاذه ، كما لا فرق بين أن يكون شاباً أو كهلاً ، فربّ مجتهد شابّ يكون أعلم من الشيخ الهرم وإن كان الشيخ أكثر حنكاً وتجربة وأكثر تسلّطاً على إعمال المصطلحات واستخدام القواعد ، فإنّ المعيار هو شدّة القوّة والقدرة على إستخراج الأحكام الشرعيّة من أدلّتها.
نعم ، إنّ تشخيص مصداق هذا المعنى مشكل جدّاً ، ولكنّه فيما إذا كان البُعد والمسافة بين الأفراد قصيرة ، أمّا إذا كانت التفاوت العلمي بينهم كثير فلا عسر ولا حرج في تشخيص الأعلم وتعيينه ، كما أنّه كذلك في باب الطبابة وغيرها.
وثانياً : سلّمنا وجود العسر والحرج فيه ، ولكن قد ذكرنا في محلّه أنّ الحرج في بابه شخصي لا نوعي ،
فوظيفة تعيين الأعلم تسقط عن كلّ من يقع في العسر والحرج لا عن الجميع.
كما أنّه كذلك في باب الوضوء والصيام ونحوهما ، فإذا لم يكن التوضّي بالماء لشخص زيد حرجاً ، لم يسقط عنه وإن كان لغيره حرجاً ومشقّة.
وثالثاً : إنّ أكثر ما يلزم من العسر والحرج إنّما هو التخيير بين عدّة من المجتهدين الذين هم في مظنّة الأعلميّة ، لا أن يسقط اعتبارها برأسها ، فيجوز تقليد غيرهم من آحاد المجتهدين وإن كانوا بمكان بعيد من الأعلميّة.