الثالث : أنّ التحريم أو الترخيص بناءً على أصالة الحظر أو الإباحة تحريم أو ترخيص مالكي يحكم به الشارع بما أنّه مالك ، بينما التحريم أو الترخيص بناءً على أصالة الاحتياط أو الإباحة تحريم أو ترخيص مولوي يحكم به الشارع بما أنّه مقنّن ومشرّع وبما أنّه مولى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ عمدة ما استدلّ به القائلون بالحظر مالكية الباري تعالى وأنّ العالم كلّه ملك له والتصرّف في ملك الغير بدون إذنه قبيح عقلاً لا سيّما في المالك الحقيقي ، ونتيجته أنّ الأصل في الأشياء الحظر إلاّما أذن الله تعالى به.
ولا يخفى أنّ هذا مبنى على ثبوت الحسن والقبح العقليين والقول بالمستقلاّت العقليّة.
وقد اورد على هذا الوجه من ناحية الكبرى والصغرى معاً.
أمّا الكبرى : وهى كون التصرّف في الأشياء تصرّفاً في ملك الغير بدون إذنه.
فيرد عليها أوّلاً : أنّ الإذن حاصل في المقام بدليل الحكم فإنّ الحكمة تقتضي أن يكون خلق الأشياء للانتفاع والتمتّع بها فلا معنى مثلاً لخلق الرياحين والفواكه مع المنع عن أيّ تصرّف فيها للإنسان الذي هو جوهر العالم السفلي.
ثانياً : أنّ اعتبار الإذن يتصوّر فيما إذا صدق التصرّف عرفاً فلا معنى لاعتباره في استماع الخطابة من الخطيب أو شمّ الرياحين مثلاً ، لعدم صدق التصرّف عليه عند العرف ، كذلك في المقام ، فربّما لا يصدق التصرّف العرفي فيه حتّى يقال بأنّه تصرّف في ملك الغير ولا يجوز بدون إذنه كما في النظر إلى الأجنبية ، وهذا نظير ما يقال : إنّه يجوز الإستضاءة بنار الغير ونوره والإستظلال بجداره لعدم كونها تصرّفاً عرفاً ، وحينئذٍ يصبح الدليل أخصّ من المدّعى.
وثالثاً : أنّه يمكن أن يستدلّ ببعض الآيات على وجود الإذن من الله بالنسبة إلى تصرّفات عبيده كقوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) وقوله تعالى : ( وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ).
ورابعاً : الاستدلال بأدلّة البراءة الشرعيّة حيث تدلّ بالالتزام على وجود الإباحة المالكيّة وإن كان مدلولها المطابقي الإباحة الظاهريّة المولويّة.
وأمّا الصغرى : وهى كون العالم ملكاً اعتبارياً لله تعالى.
فأورد عليها في تهذيب الاصول بما حاصله : أنّ المفيد بحال الأخباري في المقام إنّما هو المالكية القانونية الاعتباريّة ، ولا وجه لاعتبار ملكيّة اعتباريّة لله عزّوجلّ ، فإنّ اعتبارها