في عرفات أو الهرولة في مناسك الحجّ أو غسل الوجه واليدين في الوضوء أو الإمساك عن الأكل والشرب في الصيام ، ومن هذا النوع ما تكون العبادة ذاتيّة له كالسجود الذي يكفي فيه مجرّد قصد العمل بعنوان السجدة بخلاف غيره من العبادات التي تتميّز عن سائر الأفعال بقصد القربة ، ومن دونه لا تتحقّق بعنوان العبادة ، كما أنّ عباديتها تحتاج إلى كون العمل حسناً ومحبوباً ذاتاً.
وبالجملة لابدّ في عبادية العمل من تحقّق أمرين : أحدهما : كون العمل محبوباً لله تعالى ، والثاني : كون الباعث إليه التقرّب إليه سبحانه ، فتكون العبادة مركّبة منهما ، ولا إشكال في حصول هذين في العبادات الاحتياطيّة ، معه لا حاجة إلى أمر وراء ذلك.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله أفاد في المقام بأنّه إذا احتاط المكلّف وأتى بالعمل بقصد الرجاء فإن أصاب الواقع فيقع العمل عبادة ، وإن خالف الواقع فيترتّب عليه الثواب لأنّه إنقياد وإطاعة حكميّة.
وذكر المحقّق الأصفهاني رحمهالله في ذيل كلامه إشكالاً ، وهو أنّ المعلول الفعلي يتوقّف على علّة فعلية ، ولا يكفيه العلّة التقديرية ، فالحركة نحو الفعل لا يعقل استنادها إلى الأمر على تقدير ثبوته بل لابدّ من استنادها إلى شيء محقّق ، وليس في البين إلاّ احتمال الأمر ، فإنّه شيء فعلي ، فلو صار الفعل قربيّاً فإنّما يصير به لا بالأمر على تقدير ثبوته ، وهل هو إلاّ الإنقياد لا أنّه إطاعة تارةً وإنقياد اخرى.
وأجاب عنه بنفسه بأنّ : « الأمر بوجوده الواقعي لا يكون محرّكاً أبداً ضرورة إنّ مبدأ الحركة الاختياريّة هو الشوق النفساني ، فلابدّ له من علّة واقعة في النفس ، فلابدّ من كون الأمر بوجوده الحاضر للنفس داعياً ومحرّكاً دائماً ، وكما أنّ الأمر الحاضر للنفس المقترن بالتصديق الجزمي قابل للتأثير في حدوث الشوق ، كذلك الأمر الحاضر المقترن بالتصديق الظنّي أو الاحتمالي ، فإذا كان التصديق القطعي موافقاً للواقع كانت الصورة الحاضرة من الأمر صورة شخصية ، فينسب الدعوة بالذات إلى الصورة وبالعرض إلى مطابقها الخارجي ، وإذا لم يكن التصديق القطعي موافقاً للواقع كانت الصورة الحاضرة صورة مثله المفروض ، فلا شيء في الخارج حتّى تنسب إليه الدعوة بالعرض ، فيكون إنقياداً محضاً لا إمتثالاً وإطاعة للأمر وانبعاثاً عنه ، فكذا الأمر المظنون أو المحتمل ، فالأمر المظنون أو المحتمل هو الداعي ، وهذه