فرق فيه بين الجهل بالصغرى والكبرى (١).
وقد مرّ أنّه لا إشكال في محرّكية المجهول بل الإنسان ونوع البشر يتحرّك في الصناعات والتجارات والزراعات في أكثر الموارد بالاحتمال بل قد يكون الإنبعاث بمجرّد الوهم ( أي الاحتمال المرجوح ) كما إذا كان في طلب ضالّته.
هذا كلّه بناءً على مبنى القوم من أنّ القاعدة عقلية ، وأمّا بناءً على ما اخترناه من أنّها عقلائيّة فلا يبعد عدم بناء العقلاء على البراءة في الشبهات الموضوعيّة خصوصاً في الموضوعات الهامّة ، فإذا قال المولى لعبده « إحذر من أعدائي » مثلاً ، فمن البعيد جدّاً بناء العقلاء على قبح عقاب العبد فيما إذا لم يحذر من مشكوك العداوة ، والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين الدماء والفروج وغيرها.
أمّا البراءة النقلية : فلا إشكال في جريانها في الشبهات الموضوعيّة لأنّه القدر المتيقّن من أكثر أدلّتها ، وأمّا تفصيل المحقّق الخراساني رحمهالله بين ما كان من قبيل العام الإفرادي والمجموعي ، فقد أورد عليه بأنّ مقتضى القاعدة جريان البراءة في كلا القسمين من كلامه ، لما سيأتي من عدم وجوب الاحتياط حتّى في الأقلّ والأكثر الإرتباطيين ، ولا إشكال في رجوع القسم الثاني إلى الأقل والأكثر الإرتباطيين ، والحقّ فيه الانحلال.
إن قلت : إنّ الإشكال مبنائي لأنّ مبنى المحقّق الخراساني رحمهالله في الأقلّ والأكثر الإرتباطيين هو الاحتياط.
قلنا : سيأتي إنّه قائل بجريان البراءة الشرعيّة وإن كان حكم العقل عنده الاحتياط ، فالنتيجة النهائيّة عنده في مقام العمل هى البراءة ، وهى تخالف ما اختاره في المقام.
نعم هيهنا صورة ثالثة تقتضي القاعدة الاحتياط فيها ولعلّها كانت مورد نظر المحقّق الخراساني رحمهالله وهى ما إذا كان المأمور به أمراً بسيطاً يتحقّق بإتيان مجموع التروك مقدّمة ، فيرجع الشكّ في المصداق المشكوك إلى الشكّ في المحصّل الذي لا إشكال في أنّ مقتضى الاشتغال اليقيني فيه البراءة اليقينية ، وحينئذٍ الأصل الجاري إنّما هو الاحتياط وقاعدة الاشتغال لا البراءة ( وإن كانت عبارته قاصرة عن أداء هذا المعنى ).
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٢٠٠.