__________________
الشراء ، والترديد في قوله : أو تشتريها ، لعلّه من الراوي ». وقال المحقّق الشعراني في هامش الوافي : قوله : ولا يواجبه البيع ، أي يذكر البيع ويعيّن المبيع والثمن ولا يجري الصيغة ولا يعقد عقد البيع ؛ لأنّ البيع لا يحصل بالمكالمة والمراضاة من غير عقد ، وينافي غير هذا الموضع أنّ الرضا بالمعاملة غير الإنشاء ، والبيع إنّما يحصل بالإنشاء المدلول عليه باللفظ ، لابالرضي مطلقاً الخالي عن الإنشاء ، ولا بالإنشاء الغير المدلول عليه باللفظ.
فإن قيل : عدم الاكتفاء بالمراضاة واضح ؛ لأنّ المراضاة ليس بيعاً لغة وعرفاً وشرعاً ؛ لأنّ المشتري والبائع إذا كانا راضيين بالمعاملة ، والزوج والزوجة إذا كانا راضيين بالنكاح مدّة ، لم يصحّ إطلاق البيع والنكاح على مراضاتهما.
وأمّا الإنشاء المدلول عليه بالقرائن لا باللفظ الصريح في الإنشاء وهو العقد ، فلا وجه لعدم الكفاية ، مع أنّ العمدة هو الإنشاء القلبي ، ولا يتصوّر فرق في الدلالة عليه بأىّ وجه كان.
قلنا : الوجه فيه أنّ القرائن غير منضبطة ، لايمكن تعليق الحكم الشرعي عليها ، فكلّ شيء ادّعى المشتري مثلاً أنَّه دالّ على الإنشاء القلبي يمكن البائع أن ينكره كالمعاطاة ، فإنّ نفس إعطاء متاع وأخذ دراهم لايدلّ على أنّهما قصدا البيع ؛ إذ لعلّه أراد الإجازة وأخذ الاجرة أو الإعارة وأخذ الدراهم بدلاً عن قرض سابق ، أو رهناً للمتاع الذي أعاره حتّى يرجعه ، وغير ذلك من الاحتمالات التي لاتنحصر ، وأضعف من ذلك في الدلالة أن يكون المتاع والثمن كلاهما من العروض فليس كلّ من أعطى شيئاً وأخذ شيئاً أراد البيع ، ويحتمل أن يريد البائع شيئاً والمشتري شيئاً آخر.
فإن قيل : المعاطاة إذا انضمّ إلى قرائن اخر دلّت على إنشاء البيع ، مثل كون البائع تاجراً جالساً في حانوت في السوق متهيّأً لبيع أمتعته وليس من عادته الإجارة والعارية ورهن الثمن ، أو لا يكون المتاع مما يؤجر ، أو يعار عادة ، أو يعطى لغير التمليك ، كاللحم والخبز واللبن.
قلنا : هذا تصديق بأنّ القرائن غير منضبطة ؛ فإنّ كون البائع سوقيّاً في حانوت يخالف كونه غير تاجر ، أو تاجراً في بيته ، وكون المبيع ممّا يعار ، يخالف كونه ممّا لايعار ، وكون الرجل ممّن يعطي متاعه إجارة مع أخذ الثمن رهناً مخالف عدم كونه منهم ، وهكذا ممّا لايتناهى ويختلف عادة البلاد والأشخاص.
وبالجملة لايعتمد على القرائن غير المنضبطة بإجماع فقهاء الإسلام. واختلفوا في المعاطاة وحصول البيع بنفس الأخذ والعطاء على ما هو معروف ، ومذهب فقهائنا أنّه لايحصل البيع بها ، قال العلاّمة : لقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد ، وهو واضح ، ولايجوز إلزام الناس بما لا يدلّ عملهم عليه ولا يمكن إقامة الحجّة عليهم بإلزاهم بما لم يلزموا ، وإنما يتوهّم من توهّم الاكتفاء بالمعاطاة من العامّة. كمالك لمّا رأي أكثر أفرادها مقروناً بالقرائن الغير المنضبطة التي ذكرناها ، فتوهّم أنّ الدلالة على الإنشاء من نفس الإعطاء والأخذ ، مع أنّها من تلك القرائن التي لايترتّب حكم عليها البتّة.