فأما الحذف فلا حذف ، وكذلك ما لحقه علم الجمع نحو القاضون والقاضين والأعلون والأعلين ، فعلم الجمع ليس عوضا ولا بدلا لأنه ليس لازما. فأما قولهم : هذان وهاتان واللّذان واللّتان والّذون والّذين ، فلو قال قائل : إن علم التثنية والجمع فيها عوض من الألف والياء من حيث كانت هذه أسماء صيغت للتثنية والجمع لا على حدّ : رجلان وفرسان وقائمون وقاعدون ، ولكن على قولك : هما وهم وهن لكان مذهبا ، ألا ترى أن هذين من هذا ليس على رجلين من رجل ، ولو كان كذلك لوجب أن تنكره البتة كما تنكر الأعلام نحو : زيدان وزيدين وزيدون وزيدين ، والأمر في هذه الأسماء بخلاف ذلك ، ألا تراها تجري مثناة ومجموعة أوصافا على المعارف كما تجري عليها مفردة ، وذلك قولك مررت بالزيدين هذين ، وجاءني أخواك اللذان في الدار ، وكذلك قد توصف هي أيضا بالمعارف نحو قولك : جاءني ذانك الغلامان ، ورأيت اللّذين في الدار الظّريفين ، وكذلك أيضا تجدها في التثنية والجمع تعمل من نصب الحال ما كانت تعمله مفردة وذلك نحو قولك ، هذان قائمين الزيدان ، وهؤلاء. منطلقين إخوتك.
وقريب من هذان واللذان ، قولهم : هيهات ، مصروفة وغير مصروفة وذلك أنها جمع هيهاة ، وهياة عندنا رباعية مكررة فاؤها ولامها الأولى هاء ، وعينها ولامها الثانية ياء ، فهي لذلك من باب صيصية وعكسها باب يليل ويهياه ، قال ذو الرمة : [الطويل]
٦٨ ـ تلوّم يهياه بياه وقد مضى |
|
من اللّيل جوز واسبطرّت كواكبه |
وقال كثيّر : [الطويل]
٦٩ ـ وكيف ينال الحاجبيّة آلف |
|
بيليل ممساه وقد جاوزت رقدا |
فهيهاه من مضاعف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة ، وكان قياسها إذا جمعت أن تقلب اللام ياء فيقال : هو هيات كشوشيات وضوضيات ، إلا أنهم حذفوا اللام لأنها في آخر اسم غير متمكّن ليخالف آخرها آخر الأسماء المتمكنة نحو : رحيان وموليان ، فعلى هذه قد يمكن أن يقال : إن الألف والتاء في هيهات عوض من لام الفعل في هيهيات ، لأن هذا ينبغي أن يكون اسما صيغ للجمع بمنزلة الذين وهؤلاء.
فإن قيل : وكيف ذاك وقد يجوز تنكيره في قولهم : هيهات هيهات ، وهؤلاء والذين لا يمكن تنكيره ، فقد صار إذا هيهات بمنزلة قصاع وجفان؟
__________________
٦٨ ـ الشاهد لذي الرّمة في ديوانه (ص ٨٥١) ، ولسان العرب (جوش) ، و (يهيه) ، وتهذيب اللغة (٦ / ٤٨٧) ، وأساس البلاغة (ص ٢٠١) ، و (سبط) ، و (يهيه) ، وكتاب العين (٤ / ١٠٦).
٦٩ ـ انظر ديوانه (ص ٥١٤).