وسيلة ، إلا أن البدل أعمّ استعمالا من العوض ، وذلك أنا نقول : إنّ ألف (قام) بدل من الواو في (قوم) ، ولا نقول إنها عوض منها. ونقول : إن الميم في آخر (اللهم) بدل من (ياء) في أوله ، كما نقول : إنها عوض منها ، وإن ياء (أينق) بدل من عينها ، كما نقول : إنها عوض منها ، أو لا ترى إلى سعة البدل ، وضيق العوض ، وكذلك جميع ما استقريته تجد البدل فيه شائعا والعوض ضيقا ، فكل عوض بدل وليس كلّ بدل عوضا.
كذا وضع هذين اللفظين أهل هذا العلم فاستعملوه في عباراتهم وأجروا عليه عاداتهم ، وهذا الذي رأوه في هذا هو القياس ، وذلك أن تصرّف (ع وض) في كلام العرب أين وقعت إنما هو لأن يأتي مستقبل ثان خالفا لمنقض ، ومن ذلك تسميتهم الدهر (عوض) لأنه موضوع على أن ينقضي الجزء منه ويخلفه جزء آخر من بعده ، ومعلوم أن ما يمضي من الدّهر فان لا يعاد ومعاد لا يرتجع ، ومما ورد في فوت المعوض منه قوله : [الرمل]
٨١ ـ عاضها الله غلاما بعد ما |
|
شابت الأصداغ والضّرس نقد |
أي : عوّضها الله الولد مما أخذه منها من سواد الشعر وصحة الفم ، فهذه حال تصرف (ع وض). وليس كذلك تصرف (ب د ل) لأن البدل من الشيء قد يكون والشيئان جميعا موجودان ، ألا ترى إلى قول النحويين في : مررت بأخيك زيد ، أن زيدا بدل من أخيك ، وإن كانا جميعا موجودين ، فأما من قال : إن زيدا مترجم عن الأخ ، فإنه لا يأبى أيضا أن يقول : بدل منه ، وإنما آثر لفظ الترجمة هنا وإن كان يعتقد صحّة لفظ البدل فيه كألفاظ يختارها أحد الفريقين ويجيز مع ذلك ما أجاز الفريق الآخر كالجرّ والخفض والصفة والنعت والظرف والمحلّ والتمييز والتفسير وغير ذلك.
ومما ينبغي أن تعرف فرقا بين البدل والعوض أن من حكم البدل أن يكون في موضع المبدل منه ، والعوض ليس بابه أن يكون في موضع المعاض منه ، ألا ترى أن ياء (ميزان) بدل من الواو التي هي فاؤها وهي مع ذلك واقعة موقعها ، وكذلك واو (موسر) بدل من الياء التي هي فاؤها وهي في مكانها ، ودال (ودّ) الأولى بدل من تاء (وتد) وهي في مكانها ، والألف في : (رأيت زيدا) بدل من تنوينه وهي في مكانه ، وليس أحد يقول إن ياء (ميزان) عوض من واوه ، ولا ألف (قام) عوض من واوه ، ولا ألف (رأيت زيدا) عوض من تنوينه في الوصل ، وسبب ذلك ما قدمناه من أن (ع و ض)
__________________
٨١ ـ الشاهد للهذليّ في لسان العرب (نقد) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق (ص ٤٩) ، والخصائص (٢ / ٧١) ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٧٣) ، ولسان العرب (صدغ) ، ومغني اللبيب (ص ٤٨٥).