مع الهمزة لأن الهمزة حرف نأى منشؤه وتراخى مخرجه ، فإذا أنت نطقت بهذه الأحرف المصوّتة قبله ثم تماديت بهن نحوه طلن ، وشعن في الصوت فوفّين له وزدن لبنائه ولمكانه ، وليس كذلك إذا وقع بعدهن غيرها وغير المشدد ، ألا تراك إذا قلت : كتاب وحساب وسعيد وعمود وضروب وركوب لم تجدهن لدنات ناعمات ، ولا وافيات مستطيلات ، كما تجدهنّ كذلك إذا تلاهن الهمز أو الحرف المشدد.
وأما سبب نعمهن ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدّد بعدهن فلأنهن كما ترى سواكن ، وأول المثلين مع التشديد ساكن ، فيجفو عليهم أن يلتقي الساكنان حشوا في كلامهم ، فحينئذ ما ينهضون الألف بقوة الاعتماد عليها فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضا مما كان يجب لالتقاء الساكنين ، من تحريكها إذ لم يجدوا عليه تطرقا ولا بالاستراحة إليه معلقا وذلك نحو : شابّة ودابّة ، وهذا قضيب بكر ، وقد تموّد الثوب ، وقد قوص بما كان عليه ، وإذا كان كذلك فكلما رسخ الحرف في المدّ كان حينئذ محقوقا بتمامه وتمادي الصوت به ، وذلك الألف ثم الياء ثم الواو ، فشابه إذا أوفي صوتا وأنعم جرسا من أختيها ، وقضيب بكر أنعم وأتم من قوص به وتمود الثوب ، لبعد الواو من أعرق الثلاث في المد وهي الألف وقرب الياء إليها ، نعم : وربما لم يكتف من تقوى لغته ويتعالى تمكينه وجهارته مما تجشمه من مدّ الألف في هذا الموضع دون أن يطغى به طبعه وينحط به اعتماده ووطؤه إلى أن يبدل من هذه الألف همزة فيحملها الحركة التي كان كلفا بها ومصانعا بطول المدّ عنها فيقول شابة ودابة ، قال كثير : [الطويل]
١١١ ـ [...] |
|
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرّت |
وقال : [الطويل]
١١٢ ـ وللأرض أمّا سودها فتجلّلت |
|
بياضا وأمّا بيضها فاسوأدّت |
وهذا الهمز الذي تراه أمر يخصّ الألف دون أختيها ، وعلة اختصاصه بها أن همزها في بعض الأحوال إنما هو لكثرة ورودها هاهنا ساكنة بعدها الحرف المدغم ، فتحاملوا وحملوا أنفسهم على قلمها همزة تطرفا إلى الحركة ، إذ لم يجدوا إلى
__________________
١١١ ـ الشاهد غير موجود في ديوانه وإنما موجود برواية أخرى في ديوانه (ص ٢٩٤) :
وأنت ابن ليلى خير قومك مشهدا |
|
إذا ما احمأرّت بالعبيط العوامل |
وفي اللسان (حبنن).
١١٢ ـ الشاهد لكثير عزّة في ديوانه (ص ٣٢٣) ، والمخصّص (١٠ / ١٦٦) (فادّهأمّت).