وقال ابن الدهان في (الغرة) : قول الكوفيين فاسد من وجهين :
أحدهما : أن الخبر إذا كان عاملا فرتبته التقديم ، وإذا كان معمولا فرتبته التأخير والشيء الواحد لا يكون مقدما ، ومؤخرا من كل وجه.
والثاني : أن الاسم ليس من حقه العمل وإنما يعمل بشبه الفعل : الرفع والنصب ، وبشبه الحرف : الجر والجزم ، وليس فيهما شبه وأما (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] فإن (تدعوا) عمل في (أي) بحكم الأصل ، و (أي) عمل في (تدعوا) بحكم النيابة عن الحرف الشرطي ، ويلزمهم أيضا أن لا يعملوا (إنّ) و (كان) و (ظننت) لأن العامل موجود فكيف يجمع بينهما؟.
العاشر : فرق بين العامل والمقتضى ، قال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : ليست الإضافة هي العاملة للجر ، وإنما هي المقتضية له ، والمعني بالمقتضى هنا أن القياس يقتضي هذا النوع من الإعراب ، لتقع المخالفة بينه وبين إعراب الفاعل والمفعول فيتميز عنهما إذ الإعراب إنما وضع للفرق بين المعاني ، والعامل هو حرف الجر أو تقديره ، فالإضافة معنى وحروف الجر لفظ وهي الأداة المحصلة له كما كانت الفاعلية والمفعولية معنيين يستدعيان الرفع والنصب في الفاعل والمفعول ، والفعل أداة محصلة لهما فالمقتضى غير العامل ، انتهى.
الحادي عشر : قال ابن النحاس في (التعليقة) : هنا نكتة لطيفة ، وهو أن الاسم العامل ومعموله يتنزل منزلة المضاف والمضاف إليه في باب النداء وباب لا فكما يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه كذلك يحذف العامل وينقى معموله ، إلا أنه لما كان الأكثر إذا حذف المضاف يعرب المضاف إليه بإعرابه ولا كذلك العامل والمعمول ، كثر حذف المضاف وقل حذف العامل.
الثاني عشر : قال ابن يعيش : قد يكون للحرف عمل في حال لا يكون له في حال أخرى وفيه نظائر :
الأول : لو لا ، تعمل الجر في المضمر ولا تعمله في المظهر.
الثاني : لدن ، تنصب غدوة ولا تنصب غيرها.
الثالث : عسى ، تنصب المضمر نحو عساك وعساي وعملها مع الظاهر الرفع.
الرابع : لات ، تعمل عمل ليس في الأحيان ومع غيرها لا يكون لها عمل ، هذا ما ذكره ابن يعيش.
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ١١٧).