فليس على حذف الزيادة ، ألا ترى أنّ في (عطاء) ألف فعال الزائدة ، ولو كان على حذف الزيادة لقال : وبعد عطوك ، ليكون كوحده.
ولما كان الجمع مضارعا للفعل بالفرعية فيهما ، جاءت فيه أيضا ألفاظ على حذف الزيادة التي كانت في الواحد ، وذلك نحو قولهم : كروان وكروان ، وورشان وورشان ، فجاء هذا على حذف زائدتيه حتى كأنه صار إلى فعل فجرى مجرى خرب وخربان ، وبرق وبرقان ، قال ذو الرمّة : [الطويل]
٢٥٣ ـ من آل أبي موسى ترى النّاس حوله |
|
كأنّهم الكروان أبصرن بازيا |
ومنه تكسيرهم فعالا على أفعال ، حتى كأنه صار إلى فعل نحو : جواد وأجواد ، وعياء وأعياء ، وحياء وأحياء. ومن ذلك قولهم : نعمة وأنعم ، وشدّة وأشدّ في قول سيبويه (٢) جاء ذلك على حذف التاء كقولهم : ذئب وأذؤب ، وقطع وأقطع ، وضرس وأضرس ، وذلك كثير جدا.
وما يجيء مخالفا ومنتقضا أوسع من ذلك ، إلا أن لكل شيء منه عذرا وطريقا. وفصل للعرب طريف وهو إجماعهم على مجيء عين مضارع (فعلته) إذا كان من فاعلني مضمومة ألبتة ، وذلك نحو قولهم : ضاربني فضربته أضربه ، وعالمني فعلمته أعلمه ، وعاقلني من العقل فعقلته أعقله ، وكارمني فكرمته أكرمه ، وفاخرني ففخرته أفخره ، وشاعرني فشعرته أشعره ، وحكى الكسائي فاخرني ففخرته أفخره بفتح الخاء ، وحكاها أبو زيد أفخره بالضم على الباب ، كل هذا إذا كنت أقوم بذلك الأمر منه.
ووجه استغرابنا له أن خصّ مضارعه بالضم ، وذلك أنا قد دللنا على أن قياس باب مضارع فعل أن يأتي بالكسر ، نحو ضرب يضرب وبابه ، وأرينا وجه دخول يفعل على يفعل فيه ، فكان الأحجى ، به هنا إذا أريد الاقتصار به على أحد وجهيه أن يكون ذلك الوجه هو الذي كان القياس مقتضيا له في مضارع فعل ، وهو يفعل بكسر العين ،
__________________
والدرر (٣ / ٦٢) ، وشرح التصريح (٢ / ٦٤) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٤٩) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٦٩٥) ، ولسان العرب (وهن) ، ومعاهد التنصيص (١ / ١٧٩) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٥٠٥) ، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب (ص ٥٢٨) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤١٤) ، ولسان العرب (سمع) ، و (غنا) ، وهمع الهوامع (١ / ١٨٨).
٢٥٣ ـ الشاهد لذي الرمّة في ديوانه (ص ١٣١٣) ، وخزانة الأدب (٢ / ٣٧٧) ، والخصائص (٢ / ٢٢٢) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٥٥٣) ، والمنصف (٣ / ٧٢).
(١) انظر الكتاب (٤ / ٦٠).