وقال بعضهم : الاشتقاق أن تجد بين اللّفظين مشاركة في المعنى والحروف الأصول مع تغيير ما. أما المشاركة في المعنى فلأنهم لا يجعلون الوجد والموجود من باب الاشتقاق ، وأما المشاركة في الحروف الأصول فلأنهم لا يقولون : إن الكاذب والمائن من أصل واحد. وأما التغيير من وجه فلا بدّ منه وإلّا لكان هو إياه.
ثم إن التغيير قد يكون بزيادة ، وقد يكون بنقصان ، وقد يكون بتغيير حركة. ولا بدّ من زيادة أحدهما على الآخر في المعنى وإلا لزم أن تكون المصادر التي هي من أصل واحد بعضها مشتقّ من بعض نحو : كلّ بصري كلولا وكلّة ، وحسبت الحساب حسبا وحسبانا ، وقدرت الشيء ـ من التقدير ـ قدرا وقدرانا ، وقدرت على الشيء بمعنى قويت عليه قدرة وقدرانا وتقدرة ومقدرة ، فهذا ونحوه متّحد الأصل ، مع أنه لا ينبغي أن يقال : أحدهما مشتقّ من الآخر ، على أن ذلك بحث لفظي آئل إلى مجرّد اصطلاح.
وأما المشتقّ فهو ما وافق غيره في حروفه الأصول ومعناه الأصلي وزاد معنى من غير جنس معناه.
قال : وإنما قلت من غير جنس معناه لتخرج التثنية والجمع ، ويدخل المصغّر والمنسوب ، فنسبة المشتقّ إلى المشتقّ منه نسبة الأخصّ إلى الأعمّ ، نحو إنسان وحيوان. قال : وهذا إن سلّمه الكوفيون لزم أن يكون الفعل مشتقا من المصدر لموافقته للمصدر في معناه وزيادته عليه بالدلالة على الزمان المخصوص.
الثانية : قال أبو البقاء في (التبيين) (١) : الدليل على أن الفعل مشتقّ من المصدر طرق :
منها : وجود حدّ الاشتقاق في الفعل ، وذلك أن الفعل يدلّ على حدث وزمان مخصوص فكان مشتقا وفرعا على المصدر كلفظ ضارب ومضروب ، وتحقيق هذه الطريقة أن الاشتقاق يراد لتكثير المعاني ، وهذا المعنى لا يتحقق إلا في الفزع الذي هو الفعل ، وذلك أن المصدر له معنى واحد وهو دلالته على الحدث فقط ولا يدل على الزمان بلفظه ، والفعل يدلّ على الحدث والزمان المخصوص ، فهو بمنزلة اللفظ المركب ، فإنه يدلّ على أكثر مما يدلّ عليه المفرد ، ولا تركيب إلا بعد الإفراد ، كما أنه لا دلالة على الحدث والزمان المخصوص إلا بعد الدلالة على الحدث وحده ، وقد
__________________
(١) انظر كتاب مسائل خلافية في النحو (٧٤).