قال (١) ابن يعيش : ارتبطت الجملتان وصارتا كالجملة الواحدة ، وحذف خبر المبتدأ من الجملة الأولى لكثرة الاستعمال حتى رفض ظهوره ولم يجز استعماله.
ومنها : قولهم : (افعل هذا إما لا) قال ابن يعيش : ومعناه أن رجلا أمر بأشياء يفعلها فتوقف في فعلها ، فقيل له : افعل هذا إن كنت لا تفعل الجميع ، وزادوا على إن (ما) وحذف الفعل وما يتصل به وكثر حتى صار الأصل مهجورا.
ومنها : قال (٢) ابن يعيش : بنو تميم لا يجيزون ظهور خبر لا البتة ويقولون : هو من الأصول المرفوضة.
وقال الأستاذ أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : الإخبار عن (سبحان الله) يصح كما يصحّ الإخبار عن البراءة من السوء ، لكن العرب رفضت ذلك ، كما أن مذاكير جمع لمفرد لم ينطق به ، وكذلك (لييليه) تصغير لشيء لم ينطق به ، وأصيلان تصغير لشيء لم ينطق به ، وإن كان أصله أن ينطق به ، وكذلك (سبحان الله) إذا نظرت إلى معناه وجدت الإخبار عنه صحيحا ، لكن العرب رفضت ذلك ، وكذلك لكاع ولكع وجميع الأسماء التي لا تستعمل إلا في النداء إذا رجعت إلى معانيها وجدت الإخبار ممكنا فيها ، بدليل الإخبار عما هي في معناه ، لكن العرب رفضت ذلك.
وقال أيضا : في قولك زيدا اضربه ، ضعف فيه الرفع على الابتداء ، والمختار النصب وفيه إشكال من جهة الإسناد لأن حقيقة المسند والمسند إليه ما لا يستقلّ الكلام بأحدهما دون صاحبه ، واضرب ونحوه يستقل به الكلام وحده ، ولا تقدر هنا أن تقدّر مفردا تكون هذه الجملة في موضعه ، كما قدرت في زيد ضربته.
فإن قلت : فكيف جاء هذا مرفوعا وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟
قلت : جاء على تقدير شيء رفض ولم ينطق به واستغني عنه بهذا الذي وضع مكانه ، وهذا وإن كان فيه بعد إذا أنت تدبّرته وجدت له نظائر ، ألا ترى أن (قام) أجمع النحويون على أن أصله (قوم) وهذا ما سمع قطّ فيه ولا في نظيره ، فكذلك زيدا ضربه ، كان اضربه وضع موضع مفرد مسند إلى زيد على معنى الأمر ولم ينطق به قط ، ويكون كقام ، وقال أيضا : مصدر عسى لا يستعمل وإن كان الأصل ، لأنه أصل مرفوض.
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٥).
(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ١٠٧).