ولم يذهب ، وحذفا في هذه الأفعال إذا كانت معتلّة اللامات نحو : لم يقض ولم يغز ولم يخش ، ولكلّ شيء من هذا علّة.
فإن قال قائل : فهل يكون الإعراب حرفا عند سيبويه في شيء من الكلام؟
قلنا : هذا الذي ذكرنا الأصل وعليه أكثر مدار كلام العرب ، وقد ذكرنا أن الشيء يكون له أصل يلزمه ونحو يطرد فيه ، ثم يعرض لبعضه علّة تخرجه عن جمهور بابا ، فلا يكون ذلك ناقضا للباب ، وذلك موجود في سائر العلوم حتى في علوم الديانات كما يقال بالإطلاق : (الصلاة واجبة على البالغين) ، (من سرق من حرز قطع) ، فقد تجد القطع ساقطا عن بعضهم. ولهذا نظائر كثيرة ، فكذلك حكم الإعراب. وحقيقة ما ذكرنا من أنه عرض في بعض الكلام ضرورة دعت إلى جعل الإعراب حرفا وذلك في تثنية الأفعال المضارعة وجمعها وفعل المؤنث المخاطب في المستقبل وذلك في خمسة أمثلة من الفعل وهي يفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين يا هذه ، وعلامة الرفع في هذه الأفعال الخمسة إثبات النون ، وحذفها علامة الجزم والنصب.
فإن قال قائل : ما الذي أوجب تصيير الإعراب في هذه الأفعال جرفا وهي النون؟
قيل له ما قال سيبويه : وهو أنه قال : الإعراب يدخل على آخر حرف حذف في الكلمة وذلك الحرف يسمّى حرف الإعراب ، وآخر حرف في هذه الأفعال النون ، فلو جعلت النون حرف الإعراب لوجب ضمّها في حال الرفع وفتحها في حال النصب ، وكان يلزم من ذلك أن تسكن في حال الجزم ، ولو أسكنت وجب سقوط الألف التي قبلها والواو والياء لالتقاء الساكنين ، وكان يذهب ضمير الاثنين والجمع والمؤنث في حال تأخير الأفعال بعد الأسماء ، ويسقط علم ذلك في تقديم الأفعال على الأسماء في لغة من يثني ويجمع الفعل مقدما فكان تغيير الفعل كأنه للواحد ويبطل المعنى ، فلما صارت علم الرفع وجب حذفها في الجزم ، لأن الجازم قد يحذف ما يثبت في الرفع ، فإن كان في حال الرفع حرف ساكن حذفه الجازم نحو : لم يغز ولم يخش ، فجعلت النون محذوفة في الجزم لسكونها كما حذفت الياء والواو والألف لسكونها ، وجعل النصب مضموما إلى الجزم ، فحذفت النون فيه أيضا فقيل : لم يفعلا ولن يفعلا ولم يفعلوا ولن يفعلوا ، كما ضمّ النصب في تثنية الأسماء وجمعها إلى الجرّ ، لأن الجزم في الأفعال نظير الجرّ في الأسماء.
فإن قال قائل : فإن النون في : يفعلان وتفعلان وسائر هذه الأفعال متحركة ، وقد