( الهلالي ) وصار يختلي الخلوة الأربعينية في كل سنة كما جرت عادة أهل هذه الطريقة ، أما أبوه الحاج محمود الطباخ فكان يختلف إلى الشيخ محمد الهلالي ابن العالم الزاهد الشيخ إبراهيم الهلالي شيخ الزاوية الهلالية بحلب. وهكذا كان المؤلف رحمهالله يصحب والده في حداثته إلى حلقات الذكر ومجالس أهل المعرفة فيصغي إلى الأناشيد الدينية العذبة حتى تكون لديه حس مرهف وشعور رقيق مما دفعه إلى حب الموسيقا وتعرف أصولها وأصواتها.
وكان رحمهالله قد أتم تلاوة القرآن الكريم في الثامنة من عمره في أحد الكتاتيب المعروفة آنذاك ، ثم بدأ يتلقى أصول الكتابة والخط على يد الخطاط الشيخ محمد العريف المعروف بشيخ الأشرفية ( الشرفية ) ، ثم دخل المدرسة المنصورية وفيها تعلم مبادىء اللغة التركية والفارسية والإفرنسية بالإضافة إلى العربية.
وقد أتيح له أن يزور الحجاز وهو في الرابعة عشرة من عمره بصحبة والده وعمه الشيخ عبد السلام فالتقى معهما بأهل العلم والفضل هناك وأصغى إلى ما كان يدور في تلك المجالس من مناظرات علمية ومناقشات فكرية. ولما تم شبابه وتفتحت مواهبه أخذ يطوف البلدان طواف المستطلع الظامىء إلى ينابيع المعرفة فكان أن اجتمع بالشيخ عبد القادر المغربي والشيخ بهجة البيطار والشيخ كامل القصاب والشيخ مكي الكتاني ، فإذا تعذر اللقاء وعز السفر عمد إلى مراسلة العلماء في الشرق والغرب أمثال داود جلبي وعيسى إسكندر المعلوف وأحمد تيمور باشا والأمير شكيب أرسلان ، زد عليهم عددا من المستشرقين الذين سحرهم التراث العربي الإسلامي فتفرغوا له وأبدعوا فيه وعملوا على كشف كنوزه أمثال كرنكو ورايتر ومرجليوث وماير ، فأفاد منهم وأفادوا منه في كثير من الشؤون المتعلقة بالمخطوطات العربية.
ومع ذلك فإن إقباله ـ رحمهالله ـ على الكتب والمصنفات وشغفه بالمطالعة والبحث وولعه بالعلم والعلماء لم يكن مما يستغرق منه جل وقته ويصرفه عن الحياة التي تحيط به ، فقد كان له نشاط بارز في ميادين الصحافة والتدريس والتوجيه والإصلاح مع ما يقتضي ذلك من تكوين العلاقات الاجتماعية الواسعة على الصعيدين الرسمي والشعبي ، وقد حظيت بمقالاته العلمية وتحقيقاته التاريخية صحف عربية كثيرة كان من أهمها جريدة ثمرات الفنون ثم جريدة الاتحاد العثماني ، كما راسل جريدة الحقيقة والبلاغ والمفيد في بيروت ، ومجلة