قال فغضب هشام وقال له : يا عاض بظر أمه أعلي تفخر وإياي تنشد قصيدة تمدح بها نفسك وأعلاج قومك ، غطوه في الماء ، فغطوه في البركة حتى كادت نفسه تخرج ، ثم أمر بإخراجه وهو بشر ونفاه من وقته ، فأخرج عن الرصافة منفيا ، قال وكان مبتلى بالعصبية للعجم والفخر بهم فكان لا يزال مضروبا محروما مطرودا. اه. قال في معجم البلدان في الكلام على الرصافة :
الرصافة في مواضع كثيرة ، منها رصافة هشام بن عبد الملك في غربي الرقة بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية ، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكنها في الصيف كذا ذكره بعضهم. ووجدت في أخبار ملوك غسان ثم ملك النعمان الحارث بن الأيهم وهو الذي أصلح صهاريج الرصافة وصنع صهريجها الأعظم ، وهذا يؤذن بأنها كانت قبل الإسلام بدهر ليس بالقصير. ولعل هشاما عمر سورها أو بنى بها أبنية يسكنها.
وقال أحمد بن يحيى : وأما رصافة الشام فإن هشام بن عبد الملك أحدثها وكان ينزل فيها الزيتونة. قال الأصمعي : الزوراء رصافة هشام وفيها دير عجيب وعليها سور وليس عندها نهر ولا عين جارية إنما شربهم من صهاريج عندهم داخل السور ، وربما فرغت في أثناء الصيف فلأهل الثروة منهم عبيد وحمير يمضي أحدهم إلى الفرات العصر فيجيء بالماء في غداة غد لأنه يمضي أربعة فراسخ أو ثلاثة ويرجع مثلها ، وعندهم آبار طول رشاء كل بئر مائة وعشرون ذراعا وأكثر وهو مع ذلك ملح رديء ، وهي في وسط البرية ، ولبني خفاجة عليهم خفارة يؤدونها إليهم صاغرين. وبالجملة لو لا حب الوطن لخربت. وفيها جماعة من أهل الثروة لأنهم بين تاجر يسافر إلى أقطار البلاد ومنهم مقيم فيها يعامل العرب ، وفيها سويق عدة عشرة دكاكين ، ولهم حذق في عمل الأكسية ، وكل رجل فيها غنيهم وفقيرهم يغزل الصوف ونساؤهم ينسجن.
وذكرها ابن بطلان الطبيب في رسالته إلى هلال بن المحسن فقال : وبين الرصافة والرحبة مسيرة أربعة أيام ، قال : وهذا القصر يعني قصر الرصافة حصن دون دار الخلافة ببغداد مبني بالحجارة ، وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفص المذهب ، أنشأه قسطنطين بن هيلانة ، وجدد الرصافة وسكنها هشام بن عبد الملك وكان يفزع إليها من البق في شاطىء الفرات ، وتحت البيعة صهريج في الأرض على مثل بناء الكنيسة معقود على أساطين الرخام