الجد دفعا لذاك العار وسدا لتلك الثلمة. إلا أني كنت أرجع إليها بقلة البضاعة ونزر المعرفة وثقل هذا العبء والمشاق العظيمة التي ستعتري ولا بد ».
وإذا كان المؤلف قد كفانا مؤونة تفصيل الحديث عن الكتاب وأجزائه في مقدمته فإن من المفيد أن نشير إلى أمرين اثنين يتجليان للقارىء حين يتصفح هذا الكتاب.
الأمر الأول ما نلاحظه من إعداد علمي واسع أخذ المؤلف نفسه به واستمر عليه اثنتين وعشرين سنة لا يفتر له عزم ولا تضعف همة ، حتى بلغت مصادره المخطوطة ١٦٥ مخطوطا والمطبوعة ٥١٠ جزءا. ونراه ينظر في هذه الكتب نظر المحقق المتثبت الصابر على الطريق لا يمنعه مانع من زمن أو بعد شقة. ففي المدينة المنورة عثر على أوراق في تاريخ حلب لمؤرخ مجهول ـ كما يقول فهرس مكتبة عارف بك حكمت ـ فاستنسخ الأوراق فإذا هي ليست تاريخا لحلب ، وإنما هي موشح للشيخ علي الميقاتي الحلبي في ذكر متنزهات الشهباء ومدح بعض أعيانها. وفي حلب يعكف على المكتبة الأحمدية فيستخرج منها ما له علاقة بموضوعه كالبداية والنهاية لابن كثير ، وذيل مرآة الزمان للقطب اليونيني وتاريخ ابن إياس المصري ويقع فيه على زيادات على النسخة المطبوعة في مصر ، وطبقات الحنفية للقرشي ، وطبقات الشافعية للأسنوي ، وعجائب المقدور في تاريخ تيمور لابن عربشاه. ثم يفد إلى الظاهرية في دمشق فينظر فيها في تاريخ الحافظ ابن عساكر والكواكب السائرة للبدر الغزي وغيرهما. كما يكتب إلى العلامة المرحوم أحمد تيمور باشا في مصر سائلا إياه أن يدله على كتب في مكتبته تتصل بتاريخ حلب ، فيكتب له تيمور باشا عن جزءين في مجلد واحد من كتاب « كنوز الذهب في تاريخ حلب » للإمام المحدث موفق الدين أبي ذر ، كما يعيره « المنهل الصافي » لابن تغري بردي و « رحلة القاضي ابن آجا مع الأمير يشبك » ثم يعثر في مكتبة محمد أسعد باشا الجابري في حلب على مخطوطة « در الحبب » لرضي الدين الحنبلي فيستعيرها ثم ينقلها بخطه إلى نسخة حسنة صحيحة الرسم يراها أسعد باشا فيستحسنها ويأخذها بدلا من مخطوطته ، ثم يجد نسخة من كتاب « الدر المنتخب » المنسوب لابن الشحنة عند أحد علماء حلب فيكتبها بخطه ويقابلها بغيرها من النسخ المخطوطة فيصل إلى أن هذا الكتاب لأبي اليمن بن عبد الرحمن البتروني وليس لابن