الأمويين ، ولم تبلغنا أخبار شعرائه. وقد استفاد من هذه الحركة الأدبية القاصي والداني ، كان أبو بكر الخوارزمي في ريعان عمره قد دوّخ بلاد الشام وحصل من حضرة سيف الدولة بحلب في مجمع الرواة والشعراء ومطرح الغرباء والفضلاء ، فأقام ما أقام بها على أبي عبد الله ابن خالويه وأبي الحسن السميساطي وغيرها من أئمة الأدباء وأبي الطيب المتنبي وأبي العباس النامي وغيرهما من فحول الشعراء بين علم يدرسه وأدب يقتبسه ومحاسن ألفاظ يستفيدها وشوارد أشعار يصيدها ، وهو أحد أفراد الدهر وأمراء النظم والنثر ، وكان يقول : ما فتق قلبي وصقل ذهني وأرهف حد لساني وبلغ هذا المبلغ بي إلا تلك الطرائف الشامية واللطائف الحلبية التي علقت بحفظي وامتزجت بأجزاء نفسي.
قام سيف الدولة بهذه النهضة الأدبية وقد كان القرن الثالث في الشام يخلو من الشعراء والأدباء ، لأنهم قصدوا بغداد عاصمة الملك وبقيت الشام بمعزل. ولم ينبغ في هذا العصر غير رجال في الحديث والمغازي والفقه ، وضعف الأدب حتى أخذ ابن حمدان بيده وأيدي المشتغلين به ، فكأن القرنين السالفين كانا كالمقدمة للكتاب الكبير الذي صدر في القرن الرابع وشرحه نوابغ الأدب العربي أحسن شرح ، وفيه قام أساطين الشعر أبو تمام وأبو الطيب وأبو عبادة وإليهم انتهت الزعامة في الإجادة.
بلادنا بلاد الشعر ، والشعر كان مبدأ دخول العرب في الحضارة ، لم يحرصوا على شيء حرصهم على روايته ودرايته ، وأشد ما يكثر الشعراء في أرض صح إقليمها واعتدل نسيمها وطابت تربتها وأديمها وصفت أمواهها وسنح نميرها وكثرت ظلالها بأشجارها وغرّدت أطيارها في أسحارها ، وهذه الحالة على حصة موفورة في القطر الذي يتاخم جزيرة العرب وشمالها ، فكان شعراء الشام وما يقاربها أشعر من شعراء العراق وما يجاورها في الجاهلية والإسلام ، والسبب في تبريزهم قديما وحديثا على من سواهم في الشعر قربهم ـ كما قالوا ـ من خطط العرب ، ولا سيما أهل الحجاز ، وبعدهم عن بلاد العجم ، وسلامة ألسنتهم من الفساد العارض لألسنة أهل العراق بمجاورة الفرس والنبط ومداخلتهم إياهم.
وإذا أضيفت إلى هذه الأسباب الطبيعية أسباب أخرى من تنشيط ملك وإعجاب أمة بعمل العالم أو الشاعر والكاتب تفتحت القرائح وتجلى نبوغ الأفراد في أجمل مظاهره ،