مالا لينفقه في الجيش حتى يقويه ويمنع الأتراك من بغداد ، فأعطاه الخليفة أربعمائة ألف دينار ففرّقها سيف الدولة في أصحابه ، ثم هرب سيف الدولة ودخل [ تورون ] بغداد وملكها.
وذكر ابن حوقل في كلامه على بالس [ مسكنة ] أن سيف الدولة بعد انصرافه عن لقائه صاحب مصر وقد هلك جميع جنده أنفذ المعروف بأبي الحصين القاضي ، فقبض من تجار كانوا بها معتقلين عن السفر ولم يطلق لهم النفوذ ، فأخرجهم عن أحمال وأطواف زيت إلى ما عدا ذلك له من متاجر الشام في دفعتين بينهما شهور قلائل وأيام يسيرة ألف ألف دينار.
قال ابن مسكويه : كان سيف الدولة معجبا بنفسه يحب أن يستبد برأيه ، كريما شجاعا محبا للفخر والبذخ ، مفرطا في السخاء والكرم ، شديد الاحتمال لمناظريه والعجب بآرائه ، سعيدا مظفرا في حروبه ، جائرا على رعيته اشتد بكاء الناس عليه ومنه.
ولقد قيل إنه اجتمع لسيف الدولة بن حمدان ما لم يجتمع لغيره من الملوك ، كان خطيبه ابن نباتة الفارقي ومعلمه ابن خالويه ومطربه الفارابي وطباخه كشاجم وخزان كتبه الخالديين [ وهما يشبهان الأخوين الإفرنسيين ليكو نكور ] والصنوبري ومداحه المتنبي والسلامي والوأواء الدمشقى والببغاء والنامي وابن نباتة السعدي وغيرهم ، بل إنه اجتمع ببابه ما لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء من شيوخ الشعر ونجوم الدهر ، وكان أديبا شاعرا محبا لجيد الشعر شديد الاهتزاز بما يمدح به ، ولقد أورد صاحب اليتيمة من شعراء سيف الدولة وممن كانوا يقصدونه من الآفاق لينفقوا من أدبهم في سوقه ما هو بهجة النفوس مدى الأيام ، وربما قل في الملوك من مدح بمثل ما مدح به سيف الدولة ، حتى إن كلا من أبي محمد عبد الله بن محمد الفياض الكاتب وأبي الحسن علي بن محمد السميساطي قد اختارا من مدائح الشعراء لسيف الدولة عشرة آلاف بيت ، وكل هذه الإجادة في الشعر وتخريج الرجال كانت منبعثة من وراء إعطاء سيف الدولة للمال بدون حساب.
تجلت في عهد سيف الدولة في ديار الشام روح غريبة في الأدب العربي وظهر بمظهر لم يسبق له عهد مثله ولا جاء في القرون التالية شبه له ونظير ، اللهم إلا إذا كان على عهد