بالأحصّ فأخذ ما عليه من المال وأطلقه ، ثم جاء حلب ودخل على سيف الدولة وأنشده قصيدة يقول له فيها :
و من ظن أن الرزق يأتي بحيلة |
|
فقد كذبته نفسه وهو آثم |
يفوت الغنى من لا ينام عن السرى |
|
و آخر يأتي رزقه وهو نائم |
فقال له سيف الدولة : بحياتي وصل إليك المال الذي كان على البغل ؟ فقال : نعم ، فقال : خذه بجائزتك مباركا لك فيه. إن ما صدر عن سيف الدولة غاية في الكرم ، ولكنه لا يجوز في الشرع والعقل أن تجبى هذه الأموال من الفقراء والأغنياء لتصرف في مصالح الأمة ثم يأخذها شاعر واحد ، ومعلوم أن العشرة آلاف دينار في القرن الرابع لا تقل قيمتها عن مئة ألف دينار في هذا القرن ، ولذلك قال ابن نباتة في مدح سيف الدولة وقد تبرم بكثرة ما ناله من عطائه :
قد جدت لي باللها حتى ضجرت بها |
|
و كدت من ضجر أثني على البخل |
إن كنت ترغب في بذل النوال لنا |
|
فاخلق لنا رغبة أو لا فلا تنل |
لم يبق جودك لي شيئا أؤمله |
|
تركتني أصحب الدنيا بلا أمل |
مثال آخر من إسراف سيف الدولة : ذكر أنه ضرب دنانير خاصة للصلات في كل دينار منها عشرة مثاقيل وعليه اسمه وصورته ، قال بعض المؤرخين في حوادث سنة ٣٥٤ : فيها صاهر سيف الدولة أخاه ناصر الدولة فزوج ابنته أبا المكارم وأزوج أبا المعالي بابنة ناصر الدولة وأزوج أبا تغلب بابنته ست الناس ، وضرب دنانير في كل دينار ثلاثون دينارا وعشرون وعشرة مكتوب عليها محمد رسول الله ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فاطمة الزهراء ، الحسن ، الحسين ، جبريل ، وعلى الجانب الآخر : أمير المؤمنين المطيع لله الأميران الفاضلان ناصر الدولة وسيف الدولة ، الأميران أبو تغلب وأبو المكارم ، وجاد بما لم يجد به أحد ، يقال إن المبلغ الذي جاد به سبعمائة ألف دينار ، فما قولكم بمن يجود بهذا المبلغ في عرس وهو مبلغ جسيم لا تقل قيمته إذا قدرناه بسكة زماننا عن سبعة ملايين دينار ، إن هذا العمل ممقوت شرعا وعقلا لأنه التبذير بعينه ، وبهذا رأيتم أن المال لا قيمة له في نظر سيف الدولة ، فقد ذكروا ـ وهو مما يعاب عليه ـ أن الخليفة المتقي العباسي لما استولى البريدي على بغداد استنجد ببني حمدان أمراء الموصل ، فطلب سيف الدولة من الخليفة