ورهن عليهم بدنته ( درعه ) الجوهر المعدومة المثل ، ثم لما لم يبق أحد من أسرى المسلمين كاتب نقفور ملك الروم على الصلح ، قال ابن الوردي : وهذه من محاسن سيف الدولة.
ولقد امتازت دولة سيف الدولة بمزيتين : الأولى سياسية إسلامية والثانية علمية أدبية ، فمزيتها السياسية أنه كثيرا ما أغار على الروم وجعل ديدنه التخريب في بلادهم ليردهم عن قصد بلاده ، لأنهم كانوا يطمعون فيها منذ القديم ، ويذكرون من تاريخها أنهم حكموها طويلا ، فكان بعمله سدا حاجزا دون انبعاثهم إلى هذه البلاد ، فخدم بذلك الإسلام والعرب ، والمزية الثانية لدولته جعلها كحضرة بني العباس على ضيق رقعتها وذلك في الإفضال على العلم والأدب ، فكان يقصده أهل هذا الشأن فينزلهم في بلاده على الرحب والسعة ويبرهم بصلاته ، قال في دائرة المعارف الإسلامية : ( إن الفضل الذي أحرزه سيف الدولة بن حمدان بنشر العلوم والآداب العربية هو عنوان مجد لا يقل عن أعماله الحربية ) اه.
ومما يؤخذ عليه تغاليه في الإفضال على الشعراء والأدباء ، على أن منهم كأبي الطيب المتنبي مثلا من فارقه بعد أن منحه الإقطاعات والإنعامات الكثيرة ليستجدي أكف كافور في مصر ، فقد أعطى سيف الدولة شاعره المتنبي ضيعة بالمعرة اسمها [ صف ] إقطاعا له ، وأقطع قرية [ عين جارة ] وهي من الضياع الكبرى ابن علي أحمد بن البازيار نديمه ، عدا ما كان يناله من صلاته ، وذكروا أن الناشىء الأحصّي دخل على سيف الدولة فأنشده قصيدة له فيه ، فاعتذر سيف الدولة بضيق اليد يومئذ وقال له : اعذر فما يتأخر حمل المال ، فإذا بلغك ذلك فأتنا نضاعف جائزتك ونحسن إليك ، فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السخال وتطعم لحومها ، فعاد إلى سيف الدولة فأنشده هذه الأبيات :
رأيت بباب دراكم كلابا |
|
تغذيها وتطعمها السخالا |
فما في الأرض أدبر من أديب |
|
يكون الكلب أحسن منه حالا |
ثم اتفق أن حملت إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال ، فضاع منها بغل بما عليه وهو عشرة آلاف دينار ، وجاء هذا البغل حتى وقف على باب الناشىء الشاعر