جحد الإحسان وحدث نفسه بالعصيان واستغوى طائفة من رفقائه فصاروا إليه وخرج إلى أبي الحسن المغربي بسره ، فأشار إليه بمكاتبة صاحب مصر الملقب بالعزيز والتحيز إليه ، فقبل منه وكاتبه واستأذنه في قصد بابه ، فأذن له وسار عن الرقة بعد أن خلف عليها سلامة الرشيقي غلامه وأخذ رهائن أهلها على الطاعة ، فلقيته كتب صاحب مصر وخلعه وعهده على دمشق ، فنزل بها وتسلمها ممن كان واليا عليها ووجد أحداثها وشبانها مستولين ففتك بهم وقتل منهم وقامت هيبته بذلك ( وهذا في سنة ٣٧٧ كذا في الهامش نقلا عن ابن القلانسي ص ٣٠ ) وترددت بينه وبين عيسى بن قسطورس الوزير مكاتبات خاطبه فيها بكجور بخطاب توقع عيسى أوفى منه ، ففسد ما بينهما وأسرّ عيسى العداوة له وأساء غيبه ، وقطع بكجور مكاتبة عيسى وشكاه إلى صاحب مصر ، فأمر عيسى باستئناف الجميل معه فقبل ظاهرا وخالف باطنا. وخاف بكجور عيسى ومكيدته فاستمال طوائف من العرب وصاهرهم فمالوا إليه رغبة ، وعاد إلى الرقة وكتب إليه صاحب مصر يعاتبه على فعله فأجابه جواب المعتذر الملاطف.
ذكر السبب في مسير بكجور إلى حلب لقتال مولاه
قال في ذيل التجارب : كان لبكجور رفقاء بحلب يوادونه ، فكاتبوه وأطمعوه في الأمر وأعلموه تشاغل سعد الدولة باللذة ، فاغتر بأقوالهم وكتب إلى صاحب مصر يبذل له فتح حلب ويطلب منه الأنجاد والمعونة (١) ، فأجابه إلى كل ملتمس وكتب إلى نزّال الغوري والي طرابلس بالمسير إليه متى استدعاه من غير معاودة ، وكان نزّال هذا من قواد المغاربة وصناديدهم ومن صنايع عيسى وخواصه.
ذكر الحيلة التي رتّبها عيسى ( وزير مصر )
مع نزّال في التقاعد ببكجور حتى ورّطه
كتب عيسى إلى نزّال سرا بأن يظهر لبكجور المسارعة ويبطن له المدافعة ، فإذا
__________________
(١) العبارة في ابن الأثير : فأرسل حينئذ بكجور إلى العزيز بالله صاحب مصر يطمعه في حلب ويقول إنها دهليز العراق ومتى أخذت كان ما بعدها أسهل منها.