لما وصل إلى دمشق تلقاه قوادها وأهلها وعساكر الشام كلها ، فأقام بها مدة ، ثم رحل إلى حلب وقد استعد واحتشد ، ونزلها في ثلاثين ألف رجل ، وتحصن أبو الفضائل بن سعد الدولة ولؤلؤ بالبلد. وقد كان لؤلؤ عند معرفته بورود العساكر المصرية كتب إلى بسيل عظيم الروم وذكره ما كان بينه وبين سعد الدولة من المعاهدة والمعاقدة وبذل له عن أبي الفضائل ولده الجري على تلك العادة ، وحمل إليه ألطافا كثيرة واستنجده وأنفذ إليه ملكوتا السرياني رسولا ، فوصل إليه ملكوتا وهو بإزاء عساكر ملك البلغر مقاتلا ، فقبل ما ورد فيه ، وكتب إلى البرجي صاحبه بأنطاكية بجمع عساكر الروم وقصد حلب ودفع المغاربة عنها ، فسار البرجي في خمسة آلاف رجل ونزل بجسر الحديد بين أنطاكية وحلب ، وعرف منجوتكين وأبو الحسن ذلك فجمعا وجوه العسكر وشاوراهم في تدبير الأمر.
ذكر مشورة أنتجت رأيا سديدا كان في أثنائه الظفر بالروم
قال الوزير : أشار ذو الرأي والحصافة منهم بالانصراف عن حلب وقصد الروم والابتداء بهم ومناجزتهم لئلا يحصلوا بين عدوين ، فأجمعوا على ذلك وساروا حتى صار بينهم وبين الروم النهر المعروف بالمقلوب ، فلما تراءى الجمعان تراموا بالنشاب وبينهم النهر وليس للفريقين طريق إلى العبور. فبرز من الديلم الذين في حملة منجوتكين شيخ في يديه ترس وثلاث زوبينات ورمى بنفسه إلى الماء والمسلمون ينظرون إليه والروم يرمونه بالنبل والحجارة وهو يسبح قدما والترس في يده والماء إلى صدره ، وشاهد المسلمون ذلك وطرحوا نفوسهم في إثره ، وطرحت العرب خيولهم في النهر وهجم العسكر على المخاض وحصلوا مع الروم على أرض واحدة ومنجوتكين يمنعهم فلا يمتنعون ، وأنزل الله تعالى النصر عليهم وولى الروم أدبارهم بين مقتول ومأسور ومغلول ، وأفلت البرجي في عدد قليل وغنمت منهم الغنيمة الكثيرة ، وجمع من رؤوس قتلاهم نحو عشرة آلاف رأس [ تقدم أن البرجي سار في خمسة آلاف رجل ، فلعله انضم إليه بعد ذلك غيرهم أو أن العدد هنا مبالغ فيه ] وحملت إلى مصر وتمم منجوتكين إلى أنطاكية ونهب رساتيقها وأحرقها ، وكان وقت إدراك الغلة ،