وبلغ ذلك الناظر بحلب فأخرج من بها من تجار الإفرنج وأرسل إلى المتولي بأنطاكية يأمره بإخراج من عندهم من تجار المسلمين ، فأغلظ للرسول وأراد قتله ، ثم تركه فأرسل الناظر بحلب إلى الدزبري يعرفه الحال وأن القوم على التجهيز لقصد البلاد ، فجهز الدزبري جيشا وسيره على مقدمته ، فاتفق أنهم لقوا جيشا للروم وقد خرجوا لمثل ما خرج إليه هؤلاء ، والتقى الفريقان بين مدينة حماة وأفامية واشتد القتال بينهم ، ثم إن الله نصر المسلمين وكسر الروم فانهزموا وقتل منهم عدة كثيرة وأسر ابن عم للملك بذلوا في فدائه مالا جزيلا وعدة وافرة من أسراء المسلمين ، وانكف الروم عن الأذى بعدها.
سنة ٤٣٣ ذكر فساد حال الدزبري بالشام ووفاته
قال ابن الأثير : في هذه السنة فسد أمر أنوشتكين الدزبري نائب المستنصر بالله صاحب مصر بالشام ، وقد كان كبيرا على مخدومه بما يراه من تعظيم الملوك له وهيبة الروم منه ، وكان الوزير أبو القاسم الجرجراي يقصده ويحسده إلا أنه لا يجد طريقا إلى الوقيعة فيه ، ثم اتفق أنه سعى بكاتب للدزبري اسمه أبو سعد وقيل عنه إنه يستميل صاحبه إلى غير جهة المصريين ، فكوتب الدزبري بإبعاده فلم يفعل واستوحشوا منه ، ووضع الجرجراي منه فعرفهم سوء رأيه فيه وأعادهم إلى دمشق وأمرهم بإفساد الجند عليه ففعلوا ذلك ، وأحس الدزبري بما يجري فأظهروا الشغب عليه وقصدوا قصره وهو بظاهر البلد ، وتبعهم من العامة من يريد النهب فاقتتلوا ، فعلم الدزبري ضعفه وعجزه عنهم ففارق مكانه واستصحب أربعين غلاما وما أمكنه من الدواب والأثاث والأموال ونهب الباقي ، وسار إلى بعلبك فمنعه مستحفظها وأخذ ما أمكنه أخذه من مال الدزبري ، وتبعه طائفة من الجند يقفون أثره وينهبون ما يقدرون عليه ، وسار إلى مدينة حماة فمنع عنها وقوتل وكاتب المقلد بن منقذ الكناني الكفر طابي واستدعاه فأجابه وحضر عنده في نحو ألفي رجل من كفر طاب وغيرها ، فاحتمى به وسار إلى حلب ودخلها وأقام بها مدة ، وتوفي في منتصف جمادى الأولى من هذه السنة.