ذلك من خط أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي ، وأنبأنا به أبو اليمن الكندي وغيره عنه ، وتزوج آقسنقر داية السلطان إدريس بن طغان شاه وحظي عند السلطان ملك شاه وقدم معه حلب في سنة تسع وسبعين وأربعمائة حين قصد تاج الدولة تتش أخاه فانهزم عن حلب وكان قصدها وملكها السلطان ملكشاه في شهر رمضان من سنة تسع وسبعين وخرج عنها إلى أنطاكية وملكها وخيم على ساحل البحر أياما ، وعاد إلى حلب وعيد بها عيد الفطر ورحل عنها وقرر ولاية حلب لقسيم الدولة آقسنقر في أول سنة ثمانين وأربعمائة فأحسن فيها السياسة والسيرة وأقام الهيبة وقمع الذعار وأقنى قطاع الطريق ومخيفي السبيل وتتبع اللصوص والحرامية في كل موضع فاستأصل شأفتهم ، وكتب إلى الأطراف أن يفعلوا مثل فعله لتأمن الطرق وتسلك السبل ، فشكر بذلك الفعل وأمنت الطرق والمسالك وسار الناس في كل جهة بعد امتناعهم لخوفهم من القطاع والأشرار ، وعمرت حلب في أيامه بسبب ذلك بورود التجار إليها والجلابين من جميع الجهات ، ورغب الناس في المقام بها للعدل الذي أظهره فيهم رحمهالله.
وفي أيامه جدد عمارة منارة حلب بالجامع في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة ، واسمه منقوش عليها إلى اليوم وهو الذي أمر ببناء مشهد قرنبيا ووقف عليه الوقف ، وأمر بتجديد مشهد الدكة. أخبرني عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري قال : كان قسيم الدولة آق سنقر أحسن الأمراء سياسة لرعيته وحفظا لهم ، وكانت بلاده بين عدل عام ورخص شامل وأمن واسع ، وكان قد شرط على أهل كل قرية في بلاده متى أخذ عند أحدهم قفل أو أحد من الناس غرم أهلها جميع ما يؤخذ من الأموال من قليل وكثير ، فكانت السيارة إذا بلغوا قرية من بلاده ألقوا رحالهم وناموا وقام أهل القرية يحرسونهم إن رحلوا ، فأمنت الطرق وتحدث الركبان بحسن سيرته. سمعت والدي القاضي أبا الحسن رحمهالله يقول لي فيما يأثره عن أسلافه : إن قسيم الدولة آقسنقر كان قد نادى في بلد حلب بأن لا يرفع أحد متاعه ولا يحفظه في طريق لما حصل من الأمن في بلاده ، قال فخرج يوما يتصيد فمر على قرية من قرى حلب فوجد بعض الفلاحين قد فرغ من عمل الفدان وطرح عن البقر النير ورفعه على دابة ليحمله إلى القرية فقال له : ألم تسمع مناداة قسيم الدولة بأن لا يرفع أحد متاعا ولا شيئا من موضعه ، فقال له : حفظ الله قسيم الدولة قد أمنا في أيامه