عليها إنسانا يقال له محمد الأصبهاني ، وخرج في العام الماضي فعصى الأصبهاني على قراجة وأعانه أهل البلد لظلم قراجة ، وكان الأصبهاني جلدا شهما فلم يترك بحران من أصحاب قراجة سوى غلام تركي يعرف بجاولي وجعله اصفهسلار العسكر وأنس به ، فجلس معه يوما للشرب فاتفق جاولي مع خادم له على قتله فقتلاه وهو سكران ، فعند ذلك سار الفرنج إلى حران وحصروها ، فلما سمع معين الدولة سقمان وشمس الدولة جكرمش ذلك وكان بينهما حرب وسقمان يطالبه بقتل ابن أخيه وكل منهما يستعد للقاء صاحبه ، وأنا أذكر سبب قتل جكرمش له إن شاء الله تعالى.
أرسل كل منهما إلى صاحبه يدعو إلى الاجتماع معه لتلافي أمر حران ويعلمه أنه قد بذل نفسه لله تعالى وثوابه ، فكل واحد منهما أجاب صاحبه إلى ما طلب منه وسارا فاجتمعا على الخابور وتحالفا وسارا إلى لقاء الفرنج ، وكان مع سقمان سبعة آلاف فارس من التركمان ومع جكرمش ثلاثة آلاف فارس من الترك والعرب والأكراد فالتقوا على نهر البليخ ، وكان المصاف بينهم هناك ، فاقتتلوا فأظهر المسلمون الانهزام فتبعهم الفرنج نحو فرسخين ، فعاد عليهم المسلمون فقتلوهم كيف شاؤوا وامتلأت أيدي التركمان من الغنائم ووصلوا إلى الأموال العظيمة لأن سواد الفرنج كان قريبا ، وكان بيمند صاحب أنطاكية وطنكريد صاحب الساحل قد انفردا وراء جبل ليأتيا المسلمين من وراء ظهورهم إذا اشتدت الحرب ، فلما خرجا رأيا الفرنج منهزمين وسوادهم منهوبا فأقاما إلى الليل وهربا ، فتبعهم المسلمون وقتلوا من أصحابهما كثيرا وأسروا كذلك وأفلتا في ستة فرسان ، وكان القمص بردويل صاحب الرها قد انهزم مع جماعة من قمامصتهم وخاضوا نهر البليخ فوحلت خيولهم فجاء تركماني من أصحاب سقمان فأخذهم وحمل بردويل إلى خيم صاحبه وقد سار فيمن معه لاتباع بيمند ، فرأى أصحاب جكرمش أن أصحاب سقمان قد استولوا على مال الفرنج ويرجعون هم من الغنيمة بغير طائل ، فقالوا لجكرمش : أي منزلة تكون لنا عند الناس وعند التركمان إذا انصرفوا بالغنائم دوننا ، وحسنوا له أخذ القمص فأنفذ أخذ القمص من خيم سقمان ، فلما عاد سقمان شق عليه الأمر وركب أصحابه للقتال فردهم وقال لهم : لا يقوم فرح المسلمين في هذه الغزاة بغمهم باختلافنا ولا أوثر شفاء غيظي بشماتة الأعداء ، ورحل لوقته وأخذ سلاح الفرنج وراياتهم وألبس أصحابه لبسهم وأركبهم خيلهم وجعل يأتي