ومنعوا الخطباء من الخطبة مستصرخين بالعساكر الإسلامية على الفرنج فقلت الغلات في بلد حلب ، فباع الملك رضوان في يوم واحد ستين خربة من بلد حلب لأهلها بالثمن البخس وطلب بذلك استمالاتهم وأن يلتزموا بالمقام بها بسبب أملاكهم وهي ستون خربة معروفة في دواوين حلب إلى يومنا هذا غير ما باعه في غير ذلك اليوم من الأملاك ، ولذلك يقال إن بيع الملك من أصح أملاك الحلبيين لأن المصلحة في بيعها كانت ظاهرة لاحتياج بيت المال إلى ثمنها ولعمارة حلب ببقاء أهلها فيها بسبب أملاكهم.
ولما استصرخ الحلبيون العساكر الإسلامية ببغداد وكسروا المنابر جهز السلطان العساكر للذب عنهم فكان أول من وصل مودود صاحب الموصل بعسكره إلى شبختان ففتح تل قراد وعدة حصون ، ووصل أحمديل الكردي في عسكر ضخم وسكمان القطبي وعبروا إلى الشام ، فنزلوا تل باشر وحصروها حتى أشرفت على الأخذ ، وكان طنكريد قد أخذ حصن بكسرائل وتوجه مغيرا على بلد شيزر ونازلها وشرع في عمارة تل ابن معشر وضرب اللبن وحفر الجباب ليوعي بها الغلة ، فلما بلغه نزول عساكر السلطان محمد علي تل باشر رحل عنها.
وأما العساكر الإسلامية النازلة على تل باشر فإن سكمان مات عليها وقيل بعد الرحيل عنها ، وأشرف المسلمون على أخذها ، فتطارح جوسلين الفرنجي صاحبها على أحمديل الكردي وحمل إليه مالا وطلب منه رحيل العسكر عنه ، فأجابه إلى ذلك ، وكتب الملك رضوان إلى مودود وأحمديل وغيرهما إنني قد تلفت وأريد الخروج من حلب ، فبادروا إلى الرحيل فحسن لهما أحمديل الرحيل عنها بعد أن أشرفوا على أخذها ورحلوا إلى حلب ، فأغلق رضوان أبواب حلب في وجوههم وأخذ إلى القلعة رهائن عنده من أهلها لئلا يسلموها ورتب قوما من الجند والباطنية الذين في خدمته لحفظ السور ومنع الحلبيين من الصعود إليه ، وبقيت أبواب حلب مغلقة سبع عشرة ليلة ، وأقام الناس ثلاث ليال ما يجدون شيئا يقتاتون به ، فكثرت اللصوص من الضعفاء وخاف الأعيان على أنفسهم وساء تدبير الملك رضوان فأطلق العوام ألسنتهم بالسب له وتعييبه وتحدثوا بذلك فيما بينهم ، فاشتد خوفه من الرعية أن يسلموا البلد وترك الركوب بينهم ، وصفر إنسان من السور فأمر به فضربت عنقه ونزع رجل ثوبه ورماه إلى آخر فأمر به فألقي من السور إلى أسفل فعاث