العسكر فيما بقي سالما ببلد حلب بعد نهب الفرنج له وسبيهم أهله ، وبث رضوان الحرامية تتخطف من ينفرد من العسكر فيأخذونه ، فرحلوا إلى معرة النعمان في آخر صفر من سنة خمس وخمسمائة وأقاموا عليها أياما ووجدوا حولها ما ملأ صدورهم مما يحتاجون إليه من الغلات وما عجزوا عن حمله ، وكان أتابك طغتكين قد حصل معهم فراسل رضوان بعضهم حتى أفسد ما بينه وبينهم فظهر لأتابك منهم الوحشة فصار في جملة مودود صاحب الموصل ، وثبت له مودود ووفى له ، وحمل لهم أتابك هدايا وتحفا من متاع مصر وعرض عليهم المسير إلى طرابلس والمعونة لهم بالأموال فلم يعرجوا ، وسار أحمديل وبرسق بن برسق وعسكر سكمان نحو الفرات وبقي مودود مع أتابك فرحلا من المعرة إلى العاصي فنزلا على الجلالي.
فنزل الفرنج من أفامية مع بغدوين وطنكريد وابن صنجيل وساروا لقصد المسلمين ، فخرج أبو العساكر بن منقذ من شيزر بعسكره وأهله واجتمع بمودود وأتابك وساروا إليهم ونزلوا قبلي شيزر والفرنج شمالي ابن معشر ، ودارت خيول المسلمين حولهم ومنعوهم الماء والأتراك حول الشرائع بالقسي تمنعهم الورد ، فأصبحوا هاربين سائرين يحمي بعضهم بعضا.
ثم إن رضوانا حين ضعف أمره بحلب رأى أن يستميل طغتكين أتابك إليه ويستصلحه ، فاستدعاه إلى حلب عندما أراد أن ينزل طنكريد على قلعة عزاز وبذل له رضوان مقاطعة حلب عشرين ألف دينار وخيلا وغير ذلك ، فامتنع طنكريد من ذلك فوصل طغتكين أتابك وتعاهدا على مساعدة كل منهما صاحبه بالمال والرجال ، واستقر الأمر على أن أقام طغتكين الدعوة والسكة لرضوان بدمشق فلم يظهر منه بعد ذلك الوفاء بما تعاهدا عليه.
ومات طنكريد في سنة ست وخمسمائة واستخلف ابن أخته روجار وأدى إليه رضوان ما كان يأخذه منه طنكريد وهو عشرة آلاف دينار.