الشرق ، وكانت عدة الخيم ثلاثمائة ، للفرنج مائتا خيمة وللمسلمين مائة خيمة ، وأقاموا على حلب يزاحفونها وقطعوا الشجر وخربوا مشاهد كثيرة ونبشوا قبور موتى المسلمين وأخذوا توابيتهم إلى الخيم وجعلوها أوعية لطعامهم ، وسلبوا الأكفان وعمدوا إلى من كان من الموتى لم تنقطع أوصاله فربطوا في أرجلهم الحبال وسحبوهم مقابل المسلمين ، وجعلوا يقولون : هذا نبيكم محمد وآخر يقول : هذا عليّكم ، وأخذوا مصحفا من بعض المشاهد بظاهر حلب وقالوا : يا مسلم أبصر كتابكم ، وشقه الفرنجي بيده وشده بخيطين وعمله ثفرا لبرذونه فظل البرذون يروث عليه ، وكلما أبصر الروث على المصحف صفق بيديه وضحك عجبا وزهوا.
وأقاموا كلما ظفروا بمسلم قطعوا يديه ومذاكيره ودفعوه إلى المسلمين والمسلمون يفعلون بمن يأسرونه من الفرنج كذلك ، وربما شنق المسلمون بعضهم ، ويخرج الغزاة من باب العراق ويسرقونهم من المخيم ويقطعون عليهم الطريق ويقتلون ويأسرون ، ويصيح المسلمون على دبيس من الأسوار : دبيس يانجيس ، والرسل تتردد بينهم في الصلح ولا يستتب إلى أن ضاق الأمر بالمسلمين جدا.
وكان بحلب بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار والحاجب عمر الخاص ومعهما مقدار خمسمائة فارس ، والذي يتولى تدبيرها وهو في مقام الرياسة القاضي أبو الفضل بن الخشاب ، وتولى حفظ المكان وبذل المال والغلال ، فاتفقوا على أن سيّروا جد أبي قاضي حلب القاضي أبا غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة ونقيب الأشراف وأبا عبد الله بن الجلي ، فخرجوا ليلا ومضوا إلى تمرتاش إلى ماردين مستصرخين إليه ومستغيثين به ، فوجدوه وقد مات أخوه سليمان بن إيلغازي صاحب ميافارقين في شهر رمضان. وسار تمرتاش إلى بلاده ليملكها واشتغل بملك تلك البلاد عن حلب ، وكانت الرسل مترددة بينه وبين آقسنقر البرسقي صاحب الموصل في اتفاق الكلمة على قصد الفرنج وكشفهم عن حلب ، فاشتغل بهذا الأمر عن هذا التقرير والحلبيون عنده يمنيهم ويمطلهم ، ولما خرج الحلبيون من حلب بلغ الفرنج ذلك فسيروا خلفهم من يلحقهم فلم يدركهم وأصبحوا في صباح تلك الليلة وصاحوا إلى أهل حلب : أين قاضيكم وأين شريفكم ، فأسقط في أيديهم إلى أن وصل منهم كتاب يخبر بسلامتهم.