وكان من حديثه في ملك حلب واستيلائه عليها أن بلك بن بهرام بن أرتق لما قتل بمنبج ملك ابن عمه تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق حلب ، فباع تمرتاش بغدوين ملك الفرنج وكان أسيرا في يد بلك فباعه نفسه وهادنه وأطلقه ، ومات شمس الدولة بن إيلغازي صاحب ماردين فتوجه تمرتاش إليها واشتغل بملك ماردين ، فلما علم بغدوين بذلك غدر بالهدنة واتفق هو ودبيس بن صدقة وإبراهيم بن الملك رضوان بن تتش على أن نازلوا حلب ، واتفقوا على أن تكون البلاد للمسلمين وأن حلب لإبراهيم بن الملك رضوان لأنها كانت لأبيه ، وأن تكون الأموال للفرنج. وطال حصار حلب وأشرفت على الاستيلاء عليها وبلغ بهم الضر إلى حالة عظيمة حتى أكلوا الميتات والجيف ووقع فيهم المرض ، فحكى لي والدي أنهم كانوا في وقت الحصار مطرحين من المرض في أزقة البلد ، فإذا زحف الفرنج وضرب بوق الفزع قاموا كأنما أنشطوا من عقال وقاتلوا حتى يردوا الفرنج ، ثم يعود كل من المرضى إلى فراشه ، وما زالوا في هذه الشدة إلى أن أعانهم الله بقسيم الدولة آقسنقر البرسقي فأخلص النية لله في نصرهم ، ووصل إلى حلب في ذي الحجة من سنة ثمان عشرة وخمسمائة وأغاث أهلها ورحل العدو عنها.
وكانت رغبات الملوك إذ ذاك قليلة لمجاورة الفرنج لها وخراب بلدها وقلة ريعه واحتياج من يكون مستوليا عليها إلى الخزائن والأموال والنفقة في الجند ، فأخبرني والدي أبو الحسن أحمد وعمي أبو غانم محمد ، وحديث أحدهما ربما يزيد على الآخر ، قالا : سمعنا جدك يعنيان أباهما أبا الفضل هبة الله يقول : لما اشتد الحصار على حلب وقلت الأقوات بها وضاق الأمر بهم اتفق رأيهم على أن يسيروا أبا غانم قاضي حلب والشريف زهرة وابن الجلي إلى حسام الدين تمرتاش إلى ماردين ، وكان هو المستولي على حلب وهي في أيدي نوابه وقد تركها ومضى إلى ماردين واشتغل بملك تلك البلاد عن حلب ، قال : فاتفقوا على ذلك وأخرجوا أبي والشريف وابن الجلي ليلا من البلد ، فلما أصبح الصباح صاح الفرنج إلى أهل البلد : أين قاضيكم وأين شريفكم ؟ قال : فانقطعت ظهورنا وتشوشت قلوبنا وأيقنا أنهم ظفروا بهم ، فوصلنا منهم كتاب يخبر أنهم قد وصلوا إلى مكان آمن عليهم بالوصول ، فطابت قلوب أهل حلب لذلك ، قال عمي ووالدي : فسمعنا والدنا يقول : لما وصلنا إلى ماردين ودخلنا على حسام الدين تمرتاش وذكرنا له ما حل بأهل حلب وما هم فيه من ضيق