على كل حال. ثم ترك الحصن وتقدم إليهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق لخصمه واشتد الأمر بينهم ، ثم إن الله تعالى أنزل نصره على المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم في الأسر وقتل منهم خلق كثير ، وتقدم عماد الدين إلى عسكره بالإنجاز وقال : هذا أول مصاف عملناه معهم فلنذقهم من بأسنا ما يبقي رعبه في قلوبهم ، ففعلوا ما أمرهم.
ولقد اجتزت بتلك الأرض سنة أربع وثمانين وخمسمائة ليلا فقيل لي : إن كثيرا من العظام باق إلى ذلك الوقت. فلما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا إلى الحصن فتسلموه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكا وبقي إلى الآن خرابا. ثم سار منه إلى قلعة حارم وهي بالقرب من أنطاكية فحصرها وهي أيضا للفرنج فبذل له أهلها نصف دخل حارم وهادنوه فأجابهم إلى ذلك ، وعاد عنهم وقد استدار المسلمون بتلك الأعمال وضعفت قوى الفرنج وعلموا أن البلاد قد جاءها ما لم يكن لهم في حساب وصار قصاراهم حفظ ما بأيديهم بعد أن كانوا قد طمعوا في ملك الجميع اه.
سنة ٥٢٦ و٢٧ و٢٨
قال ابن العديم : في سنة ست وعشرين وخمسمائة فتح الملك كليام ( رام حمدان ) ووقع بين الفرنج في هذه السنة فتن وقتل بعضهم بعضا وقتل صاحب زردنا ، ونزل التركمان على بلد المعرة وكفر طاب وقسموا المغلات ، فاجتمع الفرنج وهزموهم عن البلد وفتحوا حصن قبة ابن ملاعب (١) وأسروا منه بنت سالم بن مالك وحريم ابن ملاعب وخربوا الموضع ، وأوقع الأمير سيف الدين سوار بفرنج تل باشر وقتل منهم خلقا كثيرا ، ورتب قوم من أهل الجبل على حصن القدموس وأخذوه وسلموه إلى سيف الملك بن عمرون فاشتراه أبو الفتح الداعي الباطني منه ، ووصل صاحب القدموس إلى أنطاكية وجمع وخرج إلى سوار وسار إلى قنسرين في جموع الفرنج والتقوا بعسكر حلب وسوار في سنة ثمان وعشرين في ربيع الأول ، فكسروا المسلمين وقتلوا أبا القاسم التركمان وكان شجاعا ، وقتلوا القاضي أبا يعلى بن الخشاب وغيرهما ، وتحول الفرنج إلى النقرة فصالحهم سوار والعسكر فأوقعوا بسرية منهم فقتلوهم وعادوا برؤوسهم وأسرى منهم ، فسر الناس بذلك بعد مساءتهم بالأمس. وأغارت خيل
__________________
(١) هكذا في الأصل ولعله حصن رفنية وفيه ابن ملاعب.