برتقش الخادم وجماعة من غلمانه يشربون فضل شرابه ، فتوعدهم ونام فأجمعوا على قتله ، وجاء برتقش إلى تحت القلعة فنادى أهل : القلعة شيلوني فقد قتلت أتابك ، فقالوا له : اذهب إلى لعنة الله فقد قتلت المسلمين كلهم بقتله.
وقد كان أتابك ضايق القلعة فقل الماء فيها جدا ، والرسل من صاحبها علي بن مالك تتردد بينه وبين أتابك ، فبذل علي بن مالك له ثلاثين ألف دينار ليرحل عنها ، فأجابه إلى ذلك ، ونزل الرسول وقد جمع الذهب حتى قلع الحلق من آذان أخواته وأحضر الرسول وقال لبعض خواصه : امض بفرسه وقربه إلى قدر اليخني فإن شرب منه فأعلمني ، ففعل ذلك فشرب الفرس مرقة اليخني فعلم أن الماء قد قل عندهم ، فغالط الرسول ودافعه ولم يجبه إلى ملتمسه فأسقط في يد علي بن مالك ، وكان في القلعة عنده بقرة وحش وقد أجهدها العطش فصعدت في درجة المئذنة حتى علت عليها ورفعت رأسها إلى السماء وصاحت صيحة عظيمة ، فأرسل الله سحابة ظللت القلعة وأمطروا حتى رووا ، فتقدم حسان البعلبكي صاحب منبج إلى تحت القلعة ونادى علي بن مالك وقال : يا أمير على أيش بقى يخلصك من أتابك ، فقال له : يا غافل يخلصني الذي خلصك من حبس بلك ، يعني حين نزل بلك على منبج وخلص حسان ، فصدق فأله وكان ما ذكرناه.
وأخبرني والدي رحمهالله أن حارس أتابك كان يحرسه في الليلة التي قتل فيها بهذين البيتين :
يا راقد الليل مسرورا بأوله |
|
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا |
لا تأمنن بليل طاب أوله |
|
فرب آخر ليل أجج النارا |
قال ابن الأثير : في هذه السنة سار أتابك زنكي إلى حصن جعبر وهو مطل على الفرات ، وكان بيد سالم بن مالك العقيلي سلمه السلطان ملكشاه إلى أبيه لما أخذ منه حلب وقد ذكرناه ، فحصره وسير جيشا إلى قلعة فنك وهي تجاور جزيرة ابن عمر بينهما فرسخان ، فحصرها أيضا وصاحبها حينئذ الأمير حسام الدين الكردي البشتوي ، وكان سبب ذلك أنه كان لا يريد أن يكون في وسط بلاده ما هو ملك غيره حزما واحتياطا ، فنازل قلعة جعبر وحصرها وقاتله من بها.