لكن من يقرأ الخطبة الثانية ويتتبع بقية الكتاب يجزم بفساد ذلك الظن ونصها بعد حذف الألقاب والأوصاف ( أما بعد فهذه نبذة انتخبتها من كتاب نزهة النواظر في روض المناظر تأليف. مولانا أبي الفضل محمد بن الشحنة الحلبي ) فهذه العبارة صريحة في أن الدر المنتخب ليس لأبي الفضل المذكور ، ثم إن نزهة النواظر الذي يقول إنه انتخب هذه النبذة منه ليس تاريخا خاصا للشهباء بل هو تاريخ عام مقسم إلى تسع طبقات بعدد القرون التسعة في كل طبقة ذكر حوادثها المشهورة ووفيات أعيانها المشهورين كما سيأتي الكلام عليه ، وقد ظهر لي بعد تتبع الكتاب والبحث أن التاريخ المذكور هو لأبي اليمن بن عبد الرحمن البتروني المتوفى سنة ١٠٤٦ التقطه من كتاب نزهة النواظر لأبي الفضل محمد بن الشحنة ، غير أنه أبقى العبارات التي عني بها ابن الشحنة نفسه على حالها فنشأ منها هذا الظن.
ومما يدل على أن الكتاب لأبي اليمن البتروني قوله في عدة مواضع : يقول كاتبه أبو اليمن البتروني ، وقال في الكلام على الإسكندرونة ( حاشية لكاتبه وجامعه ) ونقله في عدة مواضع عن الملا وعن تاريخ الجنابي ، وهذا كانت وفاته سنة ٩٩٧ كما ذكره صاحب الكشف ، وابن الملا توفي بعد الألف كما قدمنا آنفا. وأما ابن الشحنة فكانت وفاته ٨٩٠ وأيضا لو كان الدر المنتخب لأبي الفضل بن الشحنة لذكره رضي الدين محمد بن الحنبلي المتوفي سنة ٩٧١ في تاريخه در الحبب في ترجمة أبي الفضل المذكور ويستبعد أن يسهو عنه مع قرب العهد والقرابة التي بينهما.
ثم إن الخطبة الأولى هي خطبة [ الدر المنتخب لابن خطيب الناصرية المتقدم ذكره ] مع تحريف [ راجع خطبة مختصرة لابن الملا ] نقلها جامع الكتاب أبو اليمن أو غيره من النساخ ووقع في هذه الخطبة ذكر الدر المنتخب فظن الناسخ أن هذا الاسم هو اسم لهذا التاريخ أيضا وسماه به واشتهر التاريخ بتاريخ ابن الشحنة ، وتبع هذا الساهي أولئك الساهون ، والحقيقة هي ما ذكرناه والله أعلم.
قال جرجي زيدان [ في الثالث من تاريخ آداب اللغة العربية في صحيفة ١٨٤ ] : منه نسخ في ليدن وبرلين وفينا وبطرسبورج ونور عثمانية ، وطبع في بيروت سنة ١٩٠٩ وفيه وصف آثارها ومدارسها فضلا عن التاريخ. اه.