الموضوع في العلوم المدوّنة الحقيقيّة دون الاعتباريّة منها.
ولعلّ السبب في ذلك هو التسليم للإشكال الرابع من إشكالات (المحاضرات) ، حيث نقض قول المشهور ببعض العلوم ، كعلم الفقه ، إذ لا يعقل وجود موضوع واحد يجمع بين موضوعات مسائله ، لكونها قضايا اعتباريّة ، ولا يعقل الجامع الحقيقي بين القضايا الاعتبارية ، أو لكون موضوعاتها من مقولات متباينة بل متنافرة ، فكيف يكون بينها جامع ذاتي؟ فقال شيخنا : هذا الإشكال حق ، إلاّ أنه يرد على صاحب (الكفاية) القائل بأنّ الموضوع الجامع يتّحد مع موضوعات المسائل اتّحاد الطبيعي مع أفراده ، أمّا المشهور فلا يقولون بهذا كما أشرنا.
وقد اجيب عن الإشكال المذكور بأنّ الأحكام الشرعيّة ، وإنْ كانت قضايا اعتباريّة بلحاظ المعتبَر والمنشأ ، إلاّ أنها حقيقيّة بلحاظ نفس الاعتبار ومبادي الحكم ، لكونها من مقولة الكيف النفساني ، وهي بهذا الاعتبار تكون مورداً لحكم العقل بحقّ الطّاعة والعبوديّة الذي هو الغرض الملحوظ في علم الفقه. وأمّا تباين موضوعات المسائل الفقهيّة فجوابه : إنّه لا بدّ وأن يراد بالموضوع الواحد لكلّ علمٍ وجود محور واحدٍ تدور حوله كلّ بحوث العلم الواحد ، وهذا قد لا يتطابق مع ما يجعل موضوعاً للمسائل بحسب التدوين خارجاً ... فالمقصود من الموضوع الواحد هو المحور الواحد للبحوث في المسائل لا ما جعل موضوعاً لها في مرحلة التدوين ، وهذا المحور لا يلزم أنْ يكون موضوعاً في تلك المرحلة ، فقد تتطابق الموضوعيّة ـ أي المحوريّة ـ مع الموضوعيّة في مرحلة التأليف ، وقد لا تتطابق ، والتطابق بينهما غير لازم (١).
فإنْ كان ما ذكر نظريّةً جديدة ، فقد يمكن المساعدة عليها ، لأنّ وجود
__________________
(١) بحوث في علم الاصول ، مباحث الدليل اللفظي ١ / ٤١.