لوضوح أنّ البحث إنّما هو عن الهيئة ، من جهة أنها موضوعة لخصوص الذات المتلبّسة أو للأعم منها ومن التي انقضى عنها التلبّس ، كما في مثل «العالم» و «القائم» ونحوهما ، وأمّا في المثال المذكور ونحوه من العناوين الذاتيّة ، فليس وراء الإنسانية أو الكلبيّة شيء حتى يبحث عنها ، نعم ، تبقى الهيولى ، وليست بذاتٍ ... فالذّات قد زالت ، وما بقي شيء لكي يبحث عن التلبّس والانقضاء فيه (١).
فموضوع البحث كلّ لفظٍ توفّر فيه أمران :
١ ـ القابليّة للحمل على الذات.
٢ ـ الواجديّة للتلبّس والانقضاء (٢).
فلا كلّ مشتق بداخلٍ في البحث ، ولا كلّ جامدٍ بخارج عن البحث.
هذا تحرير محلّ النّزاع.
__________________
(١) فما في كلام البعض من أنّ هذا البحث لغويّ ، ولا مجال فيه لمثل هذا الاستدلال العقلي ، وأن من الجائز طرح البحث في موردٍ ليس التبدّل فيه من قبيل تبدّل الذات ، كالخمر إذا انقلب خلاًّ ، بأن يبحث هل هذا خمر أو لا؟ غير وارد.
لأنّ البحث وإنْ كان لغويّاً ، إلاّ أنه يدور حول المفهوم الموضوع له اللّفظ ، ومن حيث أنه هو الحصّة الخاصّة من الذات أو مطلق الذات ، فالمورد الذي لا توجد الذات خارج عن البحث موضوعاً ، سواء كانت حقيقة الشيء بصورته أو بمادّته.
وأمّا الجواب عن النقض بمثل الخلّ والخمر ، فإنهما وإنْ كان شيئاً واحداً عقلاً ، إلاّ أن الخمر والخلّ من الحيثية النوعيّة أمران متغايران.
(٢) بالنظر إلى الهيئة لا المادّة ، بأنْ تكون الهيئة قابلةً لأن يبحث عن أنها موضوعة لخصوص المتلبّس أو للأعم ، كهيئة «فاعل» و «مفعول» و «مفعَل» وإنْ كانت الهيئة في مادّةٍ ليس لها انقضاء مثل «الناطق» حيث المادة هنا نفس الذات ، فلا يخرج مثله عن النزاع ، خلافاً للمحقق النائيني ، كما لم يخرج هيئة «مفعل» ، خلافاً لصاحب الفصول. وعلى الجملة ، فمورد البحث هو الهيئة مطلقاً ، سواء كانت المادّة المشتملة عليها من قبيل «القائم» أو من قبيل «الناطق».