إلّا الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله حتى تفرغ قال : فخرج الغساني قال : فو الذي لا إله غيره لكأنّ معاوية كان معه في كل ما كان ، حتى أدخلت عليه ، وهو على سريره وتاجه على رأسه وبطارقته (١) عنده فلما عاينته وضعت كتابي ثم رفعت صوتي بالآذان ، فانتضوا سيوفهم ثم أقبلوا نحوي ، ووثب عن سريره ، يخصر حتى كان بيني وبينهم ، فاستدبرني واستقبلهم ثم قال : أفّ لكم ، كنت أظنه يقاس برأيكم ، فإذا رأيكم قد عجز عنكم ، ارجعوا ، فما رجعوا إلّا بعد شرّ (٢) ، فلما عادوا إلى مجالسهم قال : أتدرون ما قصة هذا؟ قالوا : لا ، قال : تجدون معاوية أرق فسمع أصوات النواقيس فآذنه ، وقد علم أن النصارى بالشام لهم أنصاف منازل المسلمين ، وأنصاف مساجدهم ، وقد عاهدهم على ذلك من هو أفضل منه من أهل دينه ، فلم يستطع نقضه ، فقال : من يبيعني نفسه ، فتجدون هذا اليابس ولم يأخذ لنفسه ثمنها؟ فوجهه وأمره بما سمعتم لتستحلوا به قتله ويستحل بذلك قتل من بالشام من النصارى ، وهدم كنائسهم. قال : يقول الغساني : والذي لا إله غيره ما علمت ما أراد بي معاوية إلّا تلك الساعة. قالوا : أيها الملك ما تصنع به؟ قال : فنحسن جائزته ونرد جواب (٣) كتبه ونمضيه إلى صاحبه. فما أتت على معاوية إلّا ثمانية وأربعين ليلة حتى إذا للغساني عنده فلمّا رآه معاوية قال : أفلت وانحصّ الذّنب (٤) قال : يا أمير المؤمنين إنك والله عرضتني للقتل قال : أما والذي لا إله إلّا هو لو قتلك ما تركت فيما بين العريش إلى الفرات نصرانيا إلّا قتلته ، وسبيت ذريته ، ولا كنيسة إلّا هدمتها ، ولكن اللعين كان أوفى بالذمة (٥).
٩١٠٩ ـ رجل كان في زمان معاوية
ولقّب أمّ عمّار ، له ذكر.
أنبأنا أبو بكر محمّد بن طرخان بن بلبكين ، أنا أبو الفضائل محمّد بن أحمد بن عبد الباقي بن طوق قال : قرئ على أبي القاسم عبد الله بن علي بن عبيد الله الرقي ، نا أبو أحمد
__________________
(١) بالأصل : وبطارقة.
(٢) بالأصل : الأسر.
(٣) بالأصل : جوابان.
(٤) قول : أفلت وانحص الذنب. مثل. في النهاية : أفلتّ ، وفي اللسان : أفلت. يضرب المثل لمن أشفى على الهلاك ثم نجا. وقال أبو عبيد : يضرب في إفلات الجبان من الهلاك بعد الإشفاء عليه.
(٥) بالأصل : «بالمدينة» والمثبت عن مختصر ابن منظور.