ما بدا لكما ، قال : فحملاه ، فأوقفاه بحضرة عمر بن عبد العزيز ، وقصّا عليه قصته من أولها إلى آخرها ، فأمر عمر رضياللهعنه باستنكاهه (١) فوجد منه رائحة ، فأمر بحبسه حتى أفاق ، فلما كان الغد أقام عليه الحدّ فجلده ثمانين جلدة ، فلمّا فرغ قال له عمر : أنصف يا شيخ من نفسك ولا تعد ، قال : يا أمير المؤمنين قد ظلمتني ، قال : وكيف؟ قال : لأنني عبد وقد حددتني حدّ الأحرار ، قال : فاغتم عمر وقال : أخطأت علينا وعلى نفسك ، أفلا أخبرتنا أنك عبد فنحدّك حد العبيد؟ فلمّا رأى اهتمام عمر به ردّ عليه وقال : لا يسوؤك الله يا أمير المؤمنين ، لتكن (٢) لي بقية هذا الحدّ سلفا (٣) عندك ، لعلّي أرفع إليك مرة أخرى ، قال : فضحك عمر وكان قليل الضحك حتى استلقى على مسنده ، وقال لصاحب عسسه وصاحب خبره : إذا رأيتما مثل هذا الشيخ في هيئته وعلمه وفهمه وأدبه فاحملا أمره على الشبهة ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ادرءوا الحدود بالشبهة» [١٣٦٨٥].
٩١٨٢ ـ شاب دخل على عمر بن عبد العزيز في خلافته
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا محمّد بن الحسن ، عن قيس بن صالح :
أن قوما دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرضه ، وإذا فيهم شاب داثر (٤) ناحل الجسم ، فقال له عمر : يا فتى ما الذي بلغ بك ما أرى؟ فقال : يا أمير المؤمنين أمراض وأسقام. قال : سألتك بالله إلّا صدقتني. فقال : يا أمير المؤمنين ذقت حلاوة الدنيا فوجدتها مرّة ، فصغر في عيني زهرتها وحلاوتها ، واستوى عندي حجرها وذهبها ، وكأني أنظر إلى عرش ربي ، والناس يساقون إلى الجنّة والنار ، فأظمأت لذلك نهاري ، وأسهرت له ليلي ، وقليل حقير كل ما (٥) أنا فيه في جنب ثواب الله وعقابه.
٩١٨٣ ـ فتى من الأنصار
وفد على عمر بن عبد العزيز ، له ذكر.
__________________
(١) أي أن تشمّ رائحة فمه.
(٢) بالأصل : ليكون.
(٣) بالأصل : سلف.
(٤) شاب دائر : يقال : دثر الرجل إذا علته كبرة واستسنان.
(٥) بالأصل : كلما.