إخواني الذين ذكرتهم لكم البارحة غدوا عليّ الليلة في يومهم هذا ، وحلفوا لي أنه متى ما عمل الشراب مني لم يخرجوني ، فعمل فيّ وفيهم فخرجت وهم لا يعلمون ، فإن رأيتما أن تزيدا في العفو فافعلا ، فقال صاحب العسس لصاحب الخبر : اكتم عليّ أمره حتى أطلقه ، قال : قد فعلت قال : انصرف يا شيخ ، فانصرف الشيخ ، وطافا الليلة الثالثة حتى انتهيا إلى الموضع ، فإذا هما بالشيخ على مثل تلك الحال وهو يتغنى :
ارض عني فطالما قد سخطتا |
|
أنت ما زلت جافيا مذ عرفتا |
أنت ما زلت جافيا لا وصولا |
|
بل بهذا ـ فدتك نفسي ـ ألفتا |
ما كذا يفعل الكرام بنو النا |
|
س بأحبابهم فلم كنت أنتا؟ |
قال : فحركاه بأرجلهما وقالا له : هذه الثالثة ولا عفو ، قال : أخطأتما. قالا : كيف؟ قال : حدّثني محمّد بن عبد الرحيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه ، فإن [شربها](١) الثالثة لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه ، فإن شربها الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ثم تاب لم يتب الله عليه ، وكان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال» [١٣٦٨٤] فقال عمر : وما طينة الخبال؟ قال : عصارة أهل النار في النار.
قال : فعفو من الثالثة واجب ، ومن الرابعة غير واجب ، فقال صاحب العسس لصاحب الخبر : محنة اكتم عليّ أمره حتى أطلقه ، قال : قد فعلت ، قال : انصرف ، قال : فلمّا كان في الرابعة طافا حتى انتهيا إلى الموضع ، فإذا هما بالشيخ على مثل تلك الحال وهو يتغنى :
قد كنت أبكي وما حنت لهم إبل |
|
فما أقول إذا ما حمل الثقل |
كأنني بك نضو (٢) لا حراك به |
|
تدعى وأنت عن الداعين في شغل (٣) |
فقلبوك بأيديهم هناك وقد |
|
سارت بأجمالك المهرية الذلل |
حتى إذا استيأسوا من أن تجيبهم |
|
غطوا عليك وقالوا : قد قضى الرجل |
فحركاه بأرجلهما وقالا : هذه الرابعة ولا عفو ، قال : لست أسألكما عفوا بعدها فافعلا
__________________
(١) سقطت من الأصل ، وزيدت عن المختصر لابن منظور.
(٢) النضو : البعير المهزول.
(٣) في البيت إقواء.