أفرغت ما في صلبك. فقلت : والله لأوفينّك ما وفيتها ، فلاعبتها ثم تورّكتها ، حتى إذا أردت الإنزال أخرجته فأمسكته ، فنزا الماء حتى حاذى رأسها ، فقلت : أيكون هذا ممن أفرغ ما صلبه؟ ثم تناولت عشر حصيات فكلّما صرت إلى الفراغ ناولتها حصاة حتى أتيت على العشر ، فسألتها كم في يدك؟ فقالت : تسع ، فقلت : لا بل عشر ، فقالت : والله لا أحسب لك ما لم يصل إليّ ، فضحك هشام حتى استلقى على فراشه ثم إنّي سألته كيف أنت اليوم؟ فقال : هيهات ، والله إنّي لأظل اليومين والثلاثة وما في الثاني طائل (١) ، ثم ضرب بيده على فخذه وقال :
قد كبرت بعد شباب سني |
|
وأضعف الأزلم (٢) مني ركني |
والدهر يبلي جدّه ويفني |
|
وأعرضت أم عيالي عني |
إذ عزّ عندي ما تريد مني |
|
وقالت الحسناء يوما ذرني |
ولم ترد ذرني ولكن نكني |
|
لكنها عن ذاك كانت تكني |
٩٢١٤ ـ رجل من الفصحاء
وفد على هشام.
وفد على هشام بن عبد الملك ووعظه.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ، إذنا ومناولة ، وقرأ علي إسناده ، أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي (٣) ، نا محمّد بن الحسن بن دريد ، نا أبو عثمان ، عن العتبي قال :
صعد رجل إلى هشام بن عبد الملك في خضراء معاوية ، فمثل بين يديه لا يتكلم ، فقال له هشام : ما لك لا تتكلم؟ قال : هيبة الملك وبهر الدّرج ، فلمّا رجعت نفسه إليه قال له هشام : تكلّم وإياك ومدحنا ، فقال : لست أمدحك (٤) إنّما أحمد الله فيك ، ثم قال : إن الدنيا ذمّت بأعمال العباد إذا أساءوا (٥) ، ولم تحمد بأعمالهم فيها إذا أحسنوا ، وإن الدنيا لم تكتم
__________________
(١) بالأصل : «ظانك» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٢) يعني الدهر.
(٣) رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ٣ / ١٠١ ـ ١٠٢.
(٤) في الجليس الصالح : أحمدك.
(٥) بالأصل : «شاءوا» والمثبت عن الجليس الصالح.