فات ، فأجابت بعض خطابها فتزوجها ، فلما كانت الليلة التي أراد الدخول بها ، جاءها غسان في النوم ، وقد أغفت ، فقال :
غدرت ولم ترعي لبعلك حرمة |
|
ولم تعرفي حقّا ولم تحفظي عهدا |
ولم تصبري حولا حفاظا لصاحب |
|
حلفت له يوما ولم تنجزي وعدا |
غدرت به لما ثوى في ضريحه |
|
كذلك ينسى كل من يسكن اللحدا |
فلما قال هذه الأبيات تنبّهت مرتاعة مستحيية منه ، كأنه بات معها في جانب البيت ، وأنكر ذلك من حضرها من نسائها فقلت : ما لك؟ وما حالك؟ وما دهاك؟ فقالت : ما ترك غسان لي في الحياة إربا ، ولا بعده في سرور رغبة ، أتاني في منامي الساعة فأنشدني هذه الأبيات ، ثم أنشدتها وهي تبكي بدمع غزير ، وانتحاب شديد ، فلما سمعن منها ، أخذن بها في حديث آخر لتنسى ما هي فيه ، فتغافلتهن ثم قامت فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها حياء مما كادت تركب بعده من الغدر به ، والنسيان لعهده ، فقالت امرأة منهن : قد بلغنا أن امرأة أتاها زوجها في المنام فلامها وأنّبها في مثل هذا ، فأما القتل فما سمعنا به ، قال : وكانت المرأة القائلة هذا الكلام صاحبة شعر ورجز فقالت :
ما ذا صنعت وما ذا |
|
لقيت من غسان |
قتلت نفسك حزنا |
|
يا خيرة النسوان |
وفيت من بعد ما قد |
|
هممت بالعصيان |
إن الوفاء من الله |
|
لم يزل بمكان |
قال : فلما بلغ زوجها ، وكان يقال له : المقدام بن حبيش ، وكان قد أعجب بها ورجا أن تصير إليه ، فقال : ما كان لي مستمتع بعد غسان وقال : هكذا فليكن النساء في الوفاء ، وقلّ من يحفظ ميتا ، إنّما هي أيام قلائل حتى ينسى وعنه يسلى ، فقال هشام : صدق وبرّ ، لجاد ما أدركه عقله ، وحسن عزاؤه حين فاتته طلبته ، وأحسنت المرأة ووفت ، وأحسن الرجل وصبر.
٩٢٠٧ ـ شيخ من أهل الشام
كان في صحابة هشام بن عبد الملك ، ومن ثقاته.
قرأت بخط أبي الحسن المقرئ ، وأنبأنيه أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش المغربي ، عنه ، أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت ، نا محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن