هشام : إنّه ليبلغني من ذلك العجب ، فقال بعض جلسائه أنا أحدثكم عما بلغني من ذلك ، بلغني أن رجلا من بني يشكر يقال له غسان بن (١) جهضم بن العذافر ، كانت تحته ابنة عمّ له يقال لها أم عقبة بنت عمرو بن الأبجر ، وكان لها محبّا ، وكانت له كذلك ، فلمّا حضره الموت ، وظنّ أنه مفارق الدنيا قال ثلاثة أبيات ، ثم قال لها : يا أم عقبة ، اسمعي ما أقول ، وأجيبيني بحقّ ، فقد تاقت نفسي إلى مسألتك عن نفسك بعد ما تواريني التراب ، فقالت : قل ، فو الله لا أجيبك بكذب ولأجعلنّه آخر حظك مني ، فقال وهو يبكي بكاء يكاد يمنعه الكلام :
أخبريني ما ذا تريدين بعدي |
|
والذي تضمرين يا أم عقبه |
تحفظيني من بعد موتي لما قد |
|
كان مني من حسن خلق وصحبه |
أم تريدين ذات جمال ومال |
|
وأنا في التراب في سجن غربه |
فأجابته ببكاء وانتحاب :
قد سمعنا الذي تقول وما قد |
|
خفته يا غسان من أم عقبه |
أنا من أحفظ النساء وأرعاه |
|
لما قد أوليت من حسن صحبه |
سوف أبكيك ما حييت بشجوّ |
|
ومراثي أقولها وبندبه |
قال : فلما قالت ذلك ، طابت نفسه ، وفي النفس ما فيها فقال :
أنا والله واثق بك لكن |
|
ربما خفت منك غدر النساء |
بعد موت الأزواج يا خير من عو |
|
شر فارعي حقي بحسن الوفاء |
إنني قد رجوت أن تحفظي العه |
|
د فكوني إن مت عند الرجاء |
ثم اعتقل لسانه ، فلم ينطق حتى مات ، فلم تلبث بعده إلّا قليلا حتى خطبت من كل جانب ، ورغب فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاضلة فيها ، من العقل والجمال والعفاف والحسب ، فقالت مجيبة لهم :
سأحفظ غسانا على بعد داره |
|
وأرعاه حتى نلتقي يوم نحشر |
وإني لفي شغل عن الناس كلهم |
|
فكفوا ، فما مثلي بمن مات يغدر |
سأبكي عليه ما حييت بعبرة |
|
تجول على الخدين مني فتكثر |
فأيس الناس من إجابتها ، فلما مرت بها الأيام نسيت عهده ، وقالت : من مات فقد
__________________
(١) بالأصل : من.